السبت، 18 مايو 2019

_ يوميات رمضان _ 12 وليد.ع.العايش

_ يوميات رمضان _
         _ ١٢ _
  ___________
إحدى ليالي شباط الطويلة ، المطر يصفع وجه الأرض بلا رحمة ، الريح تلملم بقايا أوراق شاحبة ، ترمي بها في نفق اللانهاية ، كانت الساعة تتجاوز الثالثة صباحا ، وأكثر ، أزيز الرصاص يقتل صرير الريح ، يجتاز حبال المطر الآتي من سماء مصفرة الوجنة ، مدفأة سوداء توزع نيرانها على أرجاء منزل ريفي صغير ، ضجيج بدأ يشارك ( المطر والريح والرصاص ) حفلتهم التنكرية ، لا عزاء للزوجة الشقراء ، فالمائدة يجب أن تكون جاهزة بعد قليل ، رائحة البيض المقلي تختلط بعبير الثرى ، صحون طائرة تحط رحالها على قطعة من القماش المهترئ ، دقائق تمر متثاقلة ، المائدة أمست بانتظار القادمين من سرائر غير دافئة ، تتجمهر العائلة حول المائدة ...
- هل نويت الصوم يا هادي ...
قالها الأب الأربعيني وهو يبتسم
- نعم يا أبت سأصوم معكم هذا اليوم ...
لم يتبق إلا غادة ابنة الخمس سنوات تغط في نوم عميق ...
- لا تكثروا الضجة يا أولاد ، كي لا تستيقظ غادة فتعكر راحتنا بصراخها ... قالت الأم الشقراء الجميلة. نكات تنتشر في أرجاء البيت ، الكل ينتظر إطلالة فجر جديد ، المطر مازال يدون ألحانه على أغصان الشجر ، الريح والرصاص يتعانقان على ضفاف شاطئ متكسر الأجنحة ، لم تكن ملامح الليل قد بدأت بالمغادرة ، ربما أعجبه المكوث أكثر هذا الصباح ...
- النهار قصير يامرأة ، ماذا ستحضرين لنا على مائدة الافطار ...
الكلمات تمتزج بغمزة اختلسها لزوجته ، أشاحت خجلا ، لم تعتد على الغزل كثيرا ، الأبناء الثلاثة يداعبون نيران المدفأة ، الأب يهم بمغادرة الغرفة ، ربما أومأ لزوجته بشيء ما ، صوت الرصاص يتغلب على الريح ، بعض الخوف بدأ يسري في شريان الأبناء ، وربما الأم أيضا ، صوت كما رعد جاحد يأتي من علو ، المائدة تتناثر كما حبات المطر ، هدية السماء لا ترد ، احمرار الغسق كان مختلفا هذه اللحظة ، على غير عادتها ، استيقظت غادة مبكرا ، صرخت على أمها ، جاوبها صدى عويل الريح الحاضر آنذاك  ...
- وحيدة أنت يا غادة ... ( قالتها رصاصة الرحمة الأخيرة ) ...
..............
وليد.ع.العايش
١٢ رمضان/ ١٤٤٠

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق