الجمعة، 17 مايو 2019

الذهــب :مقبرة وطن محمد القصبي

https://www.youtube.com/watch?v=5C0ia0i5PgQ

الذهــب :مقبرة وطن ...

قيد التعديل

انهار  الزوج مريضا هذه المرة .. فلا فرصة قد يجود بها القدر  لمصارعة المرض ثانية ..  انه النفس الاخير المتحشرج أنينا متقطعا   والذي اجبر الزوجة باللجوء إلى مستوصف الحي  لتطبيبه...

  جلسا ينتظران الطبيب  طويلا في قاعة الانتظار ..و بعد ساعتين من ميقات العمل اليومي  اخبر الممرض الحضور  كون  الطبيب المسؤول لن يأت اليوم لأسباب شخصية منعته من العمل  ..  لكن بعد يومين يرجى العودة ثانية..

لحظتها .. كان المرض يأخذ من الرجل كل مأخذ.. فأبت الزوجة إلا أن تقترض المال من جارتها الأرملة التي فقدت زوجها في قوارب الموت   ... عرضته على طبيب خاص ذائع الصيت بالمدينة إلا  أن ما يؤخذ عليه مثلبة  تحرشه بالمريضات بأساليب حركية تلتبس ومناولات العمل  و لكانه من خلالها  يجس مدى جاهزية المريضة للانبطاح أو الامتناع.. ...

و بفعل الفحوصات الطبية المتكررة .. تأكد له أن الزوج يعاني من سرطان الرئة و التهاب الكبد  الفيروسي .. ملأ استمارة بتوصيف الحالة مع ترخيص استعجالي  و أصر على الزوجة بنقله سريعا في سيارة إسعاف خاصة  و الوجهة: المستشفى المركزي ..

و ينطق الراوي بعد ان نقدت الضحية عامل  محطة الوقود:

--- حتى سيارة إسعاف التي منحها المحسنون لإدارة المستشفى  لا تخلو من ابتزاز ضحايا الحالات الحرجة ..أين مجانية التطبيب يا الهي  في وطن يفترس أبناءه بأنياب صفراء صدئة ؟؟؟...

وصلت السيارة وقد لفظت محتوياتها الآدمية أمام بوابة المستعجلات دون أن يتكلف السائق بتكملة إجراءات  العرض و الإيداع  ..و  بعد عناء طويل من الانتظار و الاستقصاء  حل دورها إلا أن المسؤول في مكتب الإرشادات، صرح لها و بنبرة بيرقراطية جافة على  أن هذا المرض لا تشمله التغطية الصحية  مما معه اجبرها المأزق الحرج بالعودة في نفس اليوم إلى منزلها بعد أن ركنت زوجها المغمى عليه  في مقعد اسمنتي  أملا في بيع كل ما تملكه من قطع لويزية و دمالج ذهبية كانت قد  ورثتها عن أمها  .. و اخيرا كان تدخل العلاج الكيميائي فاشلا  حيث توفي الزوج في أولى حصص المعالجة ..

لم تبكه ، و لم تذرف عليه دمعة سخية عرفانا بالعمر المشترك بينهما.. بل كان همها اخراج الجثة و العودة بها إلى حيث أبنائه الصغار..يائسة ، تترجى فقط أن يشيعوه جميعا إلى مثواه الأخير ...

لقد صعقوا جميعا  للنبأ الجلل ..هدهم .. شتت اذهانهم و مزق روح الثقة في الطب و مؤسساته التي هي بنايات تفتقر لأبسط التجهيزات اللوجيسيكية و الخبرات الطبية الكفءة  ...

و لتجاوز الأزمة ... تم اللجوء إلى الجمعيات المدنية ذات الطابع الخيري  و التي تشتغل لأجل تلميع صورة الدولة خارجيا على اعتبار أنها تترجم إرادة المنتظم الدولي الذي يدعو الى  تشجع قيام مجتمع مدني كفيل بتلبية حاجات الفقراء بدل الدولة في تحمل التزاماتها ..

ماتت الدولة الحارسة فأين ثروة البلد من فوسفاط، سمك، فضة، و ذهب...؟؟؟ كان هذا  على حد زعم الراوي كما يجتر دوما ..

مرت أيام  و خرجت الزوجة التي كانت محجبة إلى ضيعات أسماء الرعب الكاسحة للجغرافيا و الإنسان هضما سحقا و ابتلاعا ... و ذات يوم بينما هي تشتغل في تنقية الأرض من الإعشاب الطفيلية حتى تناهى إلى سمعها خبر  الطائرة المحملة بالذهب و التي تم حجزها بالسودان ...لم تفهم أي شيء مما راج بين  المراقب وزميله في العمل  لكن كلمة ذهب أحالت فكرها إلى صيغها الأصيلة و التي باعتها بابخس الأثمان..باعتها إلا لإعدام زوجها في مؤسسة طبية تضارب من اجل الثراء الغير المشروع ...

و يتساءل الراوي:  ---  ماذا لو كانت عائدات الذهب مجدولة في ميزانية الدولة ؟ فهل كانت الزوجة في الحقل والزوج في المستشفى  يغتصبان عرضا و عمرا ....

سبحان الله /الموت الغريب فقرا  : أشكال و الوان... وتستمر حكاية وراثة الدور للأجيال بعدها ترانيم حزن لا تنتهي طقوس عبودياته..

محمد القصبي

الثلاثاء15 ماي 2019

اخريبكة

المغرب الاقصى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق