الأربعاء، 8 مايو 2019

الوزارة في الإسلام.. تاريخها ومفهومها وأهميتها ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي

الوزارة في الإسلام.. تاريخها ومفهومها وأهميتها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي-العراق- 25-4-2019
الوزاره والامارة في الاسلام إن الوزارة لفظة عربية أصيلة، قد اشتقت من الفعل وزر وآزر، قال ابن منظور في لسان العرب: "الوَزِيرُ حَبَأُ المَلِكِ الَّذِي يَحْمِلُ ثِقْلَهُ وَيُعِينُهُ بِرَأْيِهِ، وَقَدِ اسْتَوْزَرَهُ وَحَالَتُهُ الْوَزَارَةُ وَالْوِزَارَةُ... وَوَازَرَهُ عَلَى الأَمرِ أَعَانَهُ وَقَوَّاهُ وَالأَصْلُ آزَرَهُ" . وقد اخْتُلِفَ في اشتقاق اسم الوزارة على ثلاثة أوجه؛ أحدها: أنه مأخوذ من الوِزْر وهو الثقل؛ لأنه يحمل عن الملك أثقاله. والثاني: أنه مأخوذ من الوَزَر، وهو الملجأ، ومنه قوله تعالى: {كَلاَّ لاَ وَزَرَ} [القيامة: 11] أي: لا ملجأ، فسُمِّيَ بذلك؛ لأن المَلِكُ يلجأ إلى رأيه ومعونته. والثالث: أنه مأخوذ من الأَزْر وهو الظهر؛ لأن الملك يُقَوَّى بوزيره، كقوَّة البدن بالظهر . وقد جاء في ذلك قوله تعالى حكاية عن نبيِّه مُوسى : {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه: 29-32]. فقد قرن الوزارة بِشَدِّ أزره، وإشراكه في أمره، وظهر ذلك أيضًا في قوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا * فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} [الفرقان: 35، 36].
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعين في تصريف أمور الدولة وقضاء مصالح الناس بأصحابه، وكان أكثر ما يستعين بأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وقد روى أبو سعيد الخدري قال: قال رسول الله : "وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ فَجِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، وَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ" . وفي حديث سقيفة بني ساعدة قال أبو بكر الصديق للأنصار: "نحن الأمراء وأنتم الوزراء" .
وهذا الحديث الشريف -الذي تُدلل فيه كلمة الوزير على معنى المعونة، وحمل أثقال الحكم - لهو أكبر دليل يدحض ما حاول البعض نشره من أن الوزارة بمبناها ومعناها لم تُعرف إلا في العصر العباسي .
أهمية الوزارة في النظام الإسلامي
لقد تحدث كثير من فقهاء ومؤرخي الإسلام عن أهمية هذا المنصب، فيذكر الماوردي أن "كل ما وُكل إلى الإمام من تدبير شئون الأمة لا يقدر على مباشرته جميعه وحده، إلا بالاستنابة والاستعانة، فكانت نيابة الوزير المشارك له في التدبير أصح في تنفيذ الأمور من تفرده بها؛ ليستظهر بها على نفسه، ويكون في ذلك أبعد من الزلل، وأمنع من الخلل، والاستعانة بالغير يضمن العمل" . وذكر ابن خلدون تعريفه لهذا المنصب المهم بقوله: "هي أم الخطط السلطانية، والرتب الملوكية؛ لأن اسمها يدل على مطلق الإعانة" .
وقد كان عمر بن الخطاب (ت 23هـ) بمنزلة وزير أبي بكر ، يستشيره في كل أموره، ويُعينه في تصريف حكمه، ومن أبرز الأمور التي أشار فيها عمر على أبي بكر أن يجمع القرآن الكريم، خوفًا من ضياعه؛ إذ قُتل معظم حفظته وقُرَّائه في موقعة اليمامة، وهذا الأمر يرويه زيد بن ثابت ، وهو الذي أنيط به جمع القرآن الكريم، حيث قال: "أرسل إليَّ أبو بكر -مقتل أهل اليمامة- فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر : إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقُرَّاء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلت لعمر: كيف تفعل شيئًا لم يفعله رسول الله ؟ قال عمر : هذا والله خير. فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر . قال زيد : قال أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنتَ تكتب الوحي لرسول الله فتتبع القرآن فاجمعه..." .
إذن لم تكن الوزارة كلمة مستحدثة في العصر العباسي، أو أدخلها الفرس إلى الثقافة العربية؛ فقد رأينا من سيرة الرسول وأقواله، وحياة الخلفاء الراشدين ما يقف أمام تلك الآراء التي تنسب الوزارة إلى العصر العباسي.
أول وزير في الإسلام
كان أول من وقع عليه اسم الوزير في الإسلام رجل من دعاة دولة بني العباس وهو أبو سلمة حفص بن سليمان الكوفي المعروف بالخلال كما ذكر ذلك أهل التاريخ ومنهم صاحب الوافي في الوفيات.
منصب الوزارة في العهد العباسي
تطور مفهوم الوزارة في عهد الدولة العباسية، وبدأ هذا المنصب يأخذ شكلاً مغايراً عما سبق، فقد ذكرت كتب التاريخ تعيين أبو جعفر المنصور في الوزارة إلى جانب مسؤوليته عن الدواوين، وقد تطور منصب الوزارة في الدولة العباسية حيث آلت إلى الوزير أمور البلاد والعباد كما حصل مع أسرة البرامكة حيث عرف هارون الرشيد لهم حقهم كما ذكر ابن كثير، فقام بتعيين يحيى بن خالد البرمكي، وأعطاه صلاحيات واسعة ومطلقة جعلته مفوضاً في أمور الخلافة، والرجل الآمر والناهي فيها، وظل الأمر كذلك حتّى نكبة البرامكة، كما عرف الفضل بن سهل الذي عينه المأمون كواحد من أعظم الوزراء في الدول العباسية والتاريخ الإسلامي، كما عرف من الوزراء ابن العميد علي بن محمد بن الحسين الذي عينه الخليفة الطائع لله، وذاع صيته حتّى لقب بذي الكفايتين أي صاحب السيف والقلم.
الوزارة في العصر الأموي
ومهما يكن من أمر؛ فقد تطور منصب الوزارة في العصر الأموي؛ فاتساع الدولة، وكثرة أفرادها، ومستجداتها، كان من شأنه أن يستعين الخليفة بمن يثق في صلاحيتهم لتسيير شئون الحكم، فنجد معاوية بن أبي سفيان يستوزر عمرو بن العاص ، وإن لم يكن يطلق ذلك صراحة؛ فقد كان عَمرو يقول لمعاوية : "يا أمير المؤمنين، ألست أنصح الناس لك؟! قال: بذلك نلت ما نلت" .
وقد ذكر الطبري منصب الوزراء صراحة في عهد الخلافة الأموية في حادثة شكاية أهل مصر على أحد أمرائهم، وكان ذلك في خلافة هشام بن عبد الملك (ت125هـ) الذين أتوا إليه، بيد أنهم لم يتمكَّنُوا من مقابلته، "فلما طال عليهم، ونفدت نفقاتهم، كتبوا أسماءهم في رقاع، ورفعوها إلى الوزراء، وقالوا: هذه أسماؤنا وأنسابنا، فإن سألكم أمير المؤمنين عنا فأخبروه..." . ولا شكَّ أن هؤلاء الوزراء الذين ذُكروا في النصِّ السابق هم المقربون من هشام بن عبد الملك، والنافذون في شئون دولته.
بل وجدنا في حوادث عام 85هـ عند الطبري، نصًّا يُفيد بأن مهام قَبِيصة بن ذُؤَيب، بمثابة مهام وزير في عصرنا الحالي؛ فقد كان عبد الملك بن مروان يقول: "لا يُحجب عني قَبِيصة أي ساعة جاء من ليل أو نهار، إذا كنتُ خاليًا أو عندي رجل واحد، وإن كنت عند النساء أُدْخِل المجلسَ، وأُعْلِمت بمكانه، فدخل، وكان الخاتم إليه، وكانت السَّكة إليه، تأتيه الأخبار قبل عبد الملك، ويقرأ الكتاب قبله، ويأتي بالكتاب إلى عبد الملك منشورًا..." .
وهذه النصوص السابقة التي ألمحتْ إلى وجود منصب الوزارة في العصر الأموي، تُدلل على أن طبيعة هذا المنصب في ذلك العصر كانت تشاورية فقط، فلم يكن الوزير أو المستشار بالأحرى يمتلك سُلطة تنفيذية فعلية، اللهُمَّ إلا ما وجدناه عند عبد الحميد الكاتب الذي كان وزيرًا لمروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية
منصب الوزارة في الأندلس
تطور نظام الوزارة في الأندلس حتّى أصبح يشبه إلى حد كبير التشكيل الوزاري في عصرنا الحاضر، وقد كان المسؤول عن الوزراء هو الخليفة نفسه، ثمّ أصبح المنصب يتولاه رجل يسمى الحاجب، وقد تكلم ابن خلدون عن هذا النظام مبينا كيف أصبح للوزارة خطة وتصنيف حيث كان هناك وزارة للمالية، ووزارة للبريد، ووزارة للجهاد وأهل الثغور، وقد نصب الحاجب ليكون وسيطاً بين الوزراء والخليفة، وكانت مرتبته في المجلس أعلى من غيره، ويرجع الفضل في تطوير منصب الوزارة في الأندلس إلى الخليفة عبد الرحمن الأوسط.
كانت العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الحضارة الإسلامية تقوم على الاحترام المتبادل، فلم تكن شبيهة بعلاقات ملوك الروم والفرس مع رعيتهم، والتي كانت تقوم على القهر والاستبداد، وتقسيم أفراد مجتمعاتهم إلى طبقات متفاوتة.
والمنهل الذي حرص المسلمون -الراعي والرعية- على الأخذ منه، وضرورة التأسي به، كان قائمًا على اتباع القرآن الكريم والسنة النبوية في هذا الشأن؛ ولذلك لم يكن أئمة المسلمين يحكمون رعاياهم إلا من هذا المنطلق، إلا مَنْ شذَّ على هذه القاعدة، وهم قليل، ومن هنا كان للأمة دور كبير في تقويم الحكام والمسئولين على جميع مستوياتهم.
ولقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الجهاد تقويمَ الحاكم الظالم من خلال توجيهه ناحية الحق، فقال:إنَّ مِنْ أعْظَم الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدل عِنْدَ سُلْطَان جَائِر. ومن هنا كان من حق الأمة كلها محاسبة الخلفاء المخطئين، ومبدأ محاسبة الإمام مبدأ إسلامي متواز مع قيام الخلافة الإسلامية منذ القدم، بل رأينا من الخلفاء أنفسهم من ينادي به، فأبو بكر الصديق قد أشار إلى هذا الأمر في خطبته الأولى بعد البيعة العامة بقوله: إن أسأت فَقَوّموني.
علاقة الرسول صلى الله عليه وسلم بأصحابه:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع لأصحابه، وينزل على رأيهم إذا ثبت صحة هذا الرأي؛ فالنبي في غزوة بَدْر قد نزل هو وأصحابه في أقرب مكان من ماء قرب بدر، لكن الصحابي الجليل الحباب بن المنذر لم يرضَ بذلك.
فقال بأدب جمٍّ لقائد المسلمين وإمامهم: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيتَ هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكَهُ الله، ليس لنا أن نقَدِّمه ولا نتأخَّر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة.
قال صلى الله عليه وسلم: بَلْ هُوَ الرَّأي وَالْـحَرب وَالْـمَكِيدَة.
فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله، ثم تغوِّر ما وراءه من القلب ثم نبني عليه حوضًا فنملؤه ماء، فنشرب ولا يشربون.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لَقَد أشَرْتَ بِالرَّأيِ.
فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس، فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه، ثم أمر بالقلبِ، فغوِّرت، وبني حوضًا على القليب الذي نزلَ، فمُلِئ ماءً ثم قذفوا فيه الآنية.
إن هذا الموقف الخالد من جندي من أجناد المسلمين، مع القائد العام لقوات المسلمين لَيُؤكد عظم الحضارة الإسلامية، فالعلاقة بين الحاكم والمحكوم، علاقة تشاور وتحاور واحترام، وما نزول النبيعلى رأي الحباب t إلا تأكيدًا وتقنينًا لهذه العلاقة الوثقى بين الراعي والرعية في الحضارة الإسلامية.
علاقة عمر بن الخطاب برعيته:
وقد وجدنا أعرابيًّا يُسائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t بشأن بعض أراضٍ رعوية قد حماها عمر وأمر ألا يُستفاد بها حتى يأذن بذلك.
فقال الأعرابي: يا أمير المؤمنين، بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية، وأسلمنا عليها في الإسلام، فعلام تحميها؟ فأطرق عمر وجعل ينفخ ويفتل شاربه، وكان إذا كره أمرًا فتل شاربه ونفخ، فلما رأى الأعرابي ما به جعل يرَدَّد ذلك،
فقال عمر : المال مال الله، والعباد عباد الله، فلولا ما أحمل عليه في سبيل الله ما حميت من الأرض شبرًا في شبر.
وكان من ولاة عمر من كان على درجة عالية من خشية الله حتى رأينا أهل ولايته في غنى، وهو في فقر مدقع، فمن هؤلاء الولاة سعيد بن عامر الجمحي فقد روى ابن عساكر علي بن الحسن في (تاريخ مدينة دمشق) أنه لما قَدم عمرُ حمصَ أمرهم أن يكتبوا له فقَرَاءهم، فرجع الكتاب فإذا فيه سعيد بن عامر .
قال: من سعيد بن عامر ؟
قالوا: يا أمير المؤمنين، أميرُنا.
قال: وأميركم فقير.
قالوا: نعم. فعجب،
فقال: كيف يكون أميركم فقيرًا؟ أين عطاؤه؟ أين رزقه؟
قالوا: يا أمير المؤمنين، لا يمْسِك شيئًا.
قال: فبكى عمر حتى عمد إلى ألف دينار فصرَّها، وبعث بها إليه،
وقال: أقرِئُوه مني السلام. لكن الأمير لم يقبل بأموال عمر ودفعها إلى المجاهدين في سبيل الله!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق