الأربعاء، 8 مايو 2019

يوميات رمضان 3 وليد.ع.العايش ٣ رمضان ١٤٤٠

_ يوميات رمضان _
        _ ٣ _
أشرقت شمس هذا اليوم من أيام كانون ، يا للمصادفة ، فمنذ زمن لم نعتد على رؤيتها في الصباح ، فقد كان يغتالها الغيم الأسود أحيانا ، والضباب أحيانا أخرى ، لكنها تمردت على الجميع وخرجت بثوبها الأبيض ، ورغم ذلك فإن البرد كان حاضرا فهو يأبى الركوع أمام حرارة متواضعة .
ارتديت لباسي المدرسي بينما كانت أمي ( تدحرج ) لفافة بخبز التنور وبعض حبات الزيتون ، حقيبتي التي مازالت ترافقني منذ ثلاث سنوات تحمل كتبي وأقلامي ، كانت قبل ذلك لأخي الأكبر مني بأربع سنوات ، قبلت يد أمي وانطلقت رفقة أخي الصغير ...
كنت حينها في الصف السادس الابتدائي ، أما أخي فكان مازال في الصف الأول ، الدرب ترابية موحلة حتى النخاع ، كنا نجرجر أقدامنا بصعوبة وبطء ، أمسكت بيده كي لا يسقط في الوحل ، اصطكاك أسنانه تضرب مسامعي ، لكن ماذا عساي أن أفعل ...
نصف ساعة أو أكثر مضت حتى حطت رحالنا في باحة المدرسة ، كان الجميع هناك ، حتى المدير ذو الأنف المفلطح كان موجودا ...
الدرس الأول سار على مايرام ، الرفاق يدسون اياديهم بين أرجلهم حينا وينفخون عليها حينا آخر ، المعلم لا يكترث كثيرا لنا ، فهو رجل جاوز عقده الرابع ، رأسه كان كأرض قاحلة ، صوته يشبه تغريد بلبل ، طويل القامة ، حنطي اللون ، بني العينين ، يختال بمشيته في أرجاء الصف ، دون أن ينسى نكتة بين فينة وأخرى ، كان مرحا في تعامله مع الآخرين ...
قضينا وقت الاستراحة داخل الغرفة ، فقد غادرت الشمس ، وبدأ مطر كانون صاخبا في الخارج ، النافذة المكسرة لم تمنع البرد من الولوج إلينا ( يالها من مدرسة ) ...
شاهدت المعلم ( ابراهيم ) الذي كان يحبني جدا يخرج من غرفة الإدارة متجها إلى الصف ، لقد حان وقت الدرس الثاني ...
هرعت مسرعا إلى رفاقي ...
_ هيا ... هيا إلى مقاعدكم لقد جاء الأستاذ ...
ضحكات الرفاق تزداد ضجيجا ، لا أحد يستمع لصوتي التائه ...
_ ما هذا ... ما هذا  ... هل نحن في عرس ...
_ أستاذ حاولت أن  ...
_ أنت عريف الصف ... عليك أن تضبط رفاقك ...
_ ولكن ...
لم أكمل كلامي حتى كانت عصاه تلوح لي ، بسطت يدي مرغما ، أذكر بأني حتى تلك اللحظة لم أعرف نكهة العصا ... سالت دموعي كما المطر المنهمر ، امتزج البرد مع قساوة العصا ، لست أدري ما الذي حدث لي فجأة ، صرخت بوجه المعلم وخرجت هاربا من الصف ، تبعني بنظراته وصوته ، لكني لم أعد ...
بالقرب من المدرسة كانت ( مزبلة ) القرية تقبع هناك ، لم أجد مكانا آخر أفضل منها ، كنت أعبث بما تحتويه ، أما الدموع فما زالت تنساب من عيني ...
_ يا إلهي ... هذه ربع ليرة ...
حفرت أكثر بلهفة ، لم يعد للبرد مكانا في جسدي النحيل ...
_ آه إنها واحدة أخرى ...
كدت أن أطير من الفرح ، فهي أول مرة أمسك فيها ( بنصف ليرة ) ...
_ سأشتري كل ما أريد اليوم ...
انتظرت حتى انتهى الدوام المدرسي ، جائني بعض الرفاق ، لعل المعلم أرسلهم إلي ، حكيت لهم ماحصل معي ...
انتشر الخبر بسرعة البرق ، الكل بدأ يبحث عن ودي له ، في تلك اللحظات نسيت أخي الصغير ...
_ ماذا وجدت ...
_ نصف ليرة ...
_ إنها لي ... هاتها ... هيا ...
_ وما العلامة ...
_ كل ربع لوحدها ...
كان من التلاميذ الراسبين في الصف ، أعرفه جيدا ...
سكت المطر للتو ، كان أخي هناك ينادي علي ...
_ سوف أخبر أمك بأنك هربت من الصف ...
________
وليد.ع.العايش
٣ رمضان ١٤٤٠

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق