الأربعاء، 17 أبريل 2019

باثور رئيس المخفر ... قصة : مصطفى الحاج حسين

منعت من قراءة هذه القصة في فرع إتحاد الكتاب العرب بحلب .. بحجة إحترام الذوق العام .. في حين هناك من الأدباء من قال :  بل تقرأ هذه القصة في مجلس الأمن .

---------------------------------------------------------------

باثور رئيس المخفر ...

                            قصة : مصطفى الحاج حسين .

       في صباحٍ مشمسٍ ، وبينما كان رئيس المخفر ،

( أبو رشيد ) يجلس على كرسيه ، فوق المصطبة ،

عند باب المخفر ، حيث كان يدخن ، ويتلهى بمراقبة

القرية القريبة ، عبر منظاره الجديد ، وإذ به يلمح

رجلاً قروياً يتّجه إلى العراء ، وحين ابتعد عن

الأنظار ، تلفت يمنة ويسرة ، ثمّ رفع ( كلابيته )

على عجلٍ ، قرفص ، وخلال دقيقة تناول من قربه

حصوة ، مسّح بها ثمّ نهض .

       استرعى هذا المنظر ، اهتمام رئيس المخفر

وفضوله ، فصرخ على الفور ينادي ( الرقيب

خليل ) ، ولمّا خرج إليه   ( خليل ) ، أمره قائلاً :

- إذهب إلى هناك .. وأشار بيده صوب القرية ، ناحية

القروي ..

- أحضر ذاك البدوي بسرعة .

       امتطى( الرقيب خليل ) حصانه ، وانطلق

صوب القرية مسرعاً .

       كان الرجل القروي ، قد اقترب من قباب

القرية ، حين ناداه الرقيب :

- قف .. عندك  .. لا تتحرك .

       انبعثت رعشة عنيفة في أعماق القروي ،

تلعثمت كلماته :

- خير ياوجه الخير !! .. ماذا تريد ؟!

- امشِ قدامي إلى المخفر .. هيّا تحرك .

       تضاعف الخوف في أعماق القروي ، وأراد أن

يستفسر :

- ولكن لماذا ياوجه الخير .. أنا لم أفعل شيئاً ؟! .

       صاح( الرقيب خليل ) من فوق حصانه ، الذي

لم ينقطع لهاثه ، بعد :

- تحرّك ياكلب .. قسماً سأنزل وأدوسك بحذائي .

- لكن ياسيدي ...

       لم يتركه يكمل كلامه ، فقد اقترب منه ، وهوى

عليه بسوطه .. صارخاً :

- تحرّك .

       كان القروي يتعثّر بخطواته بين الفلاة ،

والرقيب من فوق حصانه ، يحثّه مرّة على العجلة ،

ويسوطه مرّة أخرى .

       اقترب من رئيس المخفر ، فتطلّع الرجل إلى

( أبي رشيد ) بهلع ، بينما كانت مفاصله ترتعش ..

رمقه رئيس المخفر بنظرة صارمة ، ونهض :

- الحق بي إلى مكتبي .

       حين أغلق رئيس المخفر الباب على الرجل ،

المرتعد الفرائض ، أيقن أن جريمة فظيعة ، سوف

تنسب إليه .

       غير أن رئيس المخفر ، نظر إليه وابتسامة لزجة

ارتسمت تحت شاربيه :

- ما اسمك ؟ .

- أنا ياسيدي .. اسمي .. ( خميس ) أبو حسين .

- أريدك يا أبا حسين ، أن تحدّثني بصراحة .

       واندفع ( خميس ) ليقسم لرئيس المخفر ، وكان

الخوف قد بلغ ذروته :

- أنا والله لم أفعل شيئاً .

       ابتسم رئيس المخفر ، أدرك أنه رجل ذو هيبة ،

يخافه الجميع :

- لقد شاهدتك وأنت تقرفص ( وتفعلها ) بسرعة .

       علت الدّهشة وجه ( خميس ) همس كمن يقر

بذنبه :

- نعم .. فعلتها .. لماذا أكذب ؟! .. ولكنني لم أكن

أعرف أن هذا ممنوع .

       صرخ رئيس المخفر :

- اسمعني ياغبي .. لا تقاطعني .. الحكومة لا تمنع

مثل هذه الأمور ، لأنها لا تعتبر من الأعمال

السياسية .

       ثم استدرك محاولا شرح الموقف ، للمواطن

( خميس ) ، الذي لم يزايله الخوف حتى الآن :

- أنت - فعلتها - بسرعة ، وأنا أمضي أكثر من ساعة

في المرحاض ، أريدك أن تساعدني حتى أستطيع

أن - أعملها - مثلك ، بعجلة .. أنت لا تعرف كم أنا

أعاني وأتعذّب كلّ يوم .

       بعد جهدٍ استطاع المدعو ( خميس ) أن يفهم

مايريده منه رئيس المخفر ، ولأول مرّه يزايله

خوفه ، ويتجرأ ويرسم على شفتيه اليابستين شبه

ابتسامة :

- أمن أجل هذا أرسلت في طلبي ؟! .

- نعم .

- بسيطة .. ياسيادة رئيس المخفر .. القضية في

غاية السّهولة .

       وهنا استبشر رئيس المخفر ، خيراً ، فهتف

بفرحة :

- كيف ؟؟؟؟؟ .. قل لي .. أرجوك .. فأنا أتعذّب ..

وأضيع معظم وقتي داخل المرحاض .

       تضاعف شعور ( خميس ) بثقته بنفسه ، فها

هي الحكومة بكلّ جبروتها وعظمتها وهيبتها ، تلجأ

إليه وتستشيره ، في قضية على غاية من الأهمية ..

لذلك أجاب :

- أنا ياسيدي .. عندما أتضايق ، أحاول أن أؤجلها ..

وكلما تضايقت أضغط على نفسي ، حتى - أحمّصها

- ، وعندها أهرع إلى البريّة ، وخلال دقيقة أكون قد

انتهيت .

       ابتسم رئيس المخفر .. شعر بالراحة والسعادة ،

أخيراً سيضع حداً لهذا العذاب المضني ، وأقسم في

أعماقه ، أن يكافئ ( خميس ) إن نجحت وصفته

هذه :

- إذاً عليّ أن - أحمّصها - ، أليس كذلك ؟ .

- نعم سيدي .

       في اليوم التالي ، رفض رئيس المخفر أن يدخل

دورة المياه ، قبل أن يغادر ببته . توجه إلى المخفر ،

وهو يشعر بالضيق بعض الشيء ، لكنه سينفذ

ماطلبه منه ( خميس)،  - سيحمّصها - .

       وحين دخل إلى مكتبه ، استدعى كافةعناصره ،

كعادته ، ليشربوا الشاي .. لكنه سرعان مابدأ يتململ

في قعدته ، فوق كرسيه ، ومع هذا كان يردد

بداخله :

- ليس الآن .. عليّ أن أنتظر ، حتى - أحمّصها - ،

( خميس ) قال لي هذا .

       مضى كثير من الوقت ، وهو يثرثر مع عناصره ،

محاولاً كبح مؤخرته ، عن الانفجار .

       أخيراً ، شعر بمغصٍ شديد ، مغص لا يقاوم ،

كأنه الطّلق .. نهض عن كرسيه ، حاول أن يتجاوز

كراسي عناصره بسرعة ، لكنّ صمام الأمان أفلت

منه ، فها هو وقبل أن يفتح الباب يفرقع بقوة ،

كانت ( ضرطته ) بقوة انفجار قنبلة .. أحسّ

بالخجل الشديد ، لم يلتفت صوب عناصره ، الذين

تغامزوا ، وضحكوا بعد خروجه .

       وفي الممر .. ممر المخفر الطويل ، وقبل أن

يصل إلى بيت - الخلاء - حدث ما لم يكن في

الحسبان ، لقد - فعلها - في بنطاله .. ياللعار .

       أقسم أنه - سيفعلها - في فم ( خميس)  ، حلف

أنه - سيخصيه - ، سيدق رأسه ، سيرميه في

الزنزانة ، وسيجعله عبرة لكلّ الناس .

       وبعد أن غير بذته العسكرية ، رمق عناصره

بنظرات حادة وصارمة ، أخرست ضحكاتهم

المكتومة ، أمر الجميع ، باحضار المجرم

( خميس ) .

       خرجت كوكبة من رجال الشرطة ، هرعوا إلى

الاسطبل الملاصق للمخفر ، امتطوا جيادهم

بسرعة ، لكزوا الخيول ، فانطلقت محمحمة باتجاه

القرية .

       حاصروا بيت المدعو ( خميس ) ، صاحب

النصائح الكاذبة ، المخادعة ، داهم ( الرقيب

خليل ) ، وبعض العناصر ، القبّة الكببرة ، انطلقت

صرخة ذعر من امرأة ، كانت تغتسل عند العتبة ،

حاولت أن تستر عريها ، لكنّ ( الرقيب خليل ) الذي

حاول أن يتراجع ، كان يحدّق بانشداه تام ، إلى هذا

الجسد العاري المثير ، والذي تفوح منه رائحة

الصابون ، وبخار الماء السّاخن ..وتحيّرت عيناه أين

ستركزان النطر ، على النهدين الصاعقين  ، أم على

الفخذين المكتنزين .

       صاحت المرأة ، لتوقظه من دهشته ، واشتعال

شهوته :

- ماذا تريدون ؟! .

       زأر ( الرقيب خليل ) ، المتأجج بشهوته :

- نريد .. المجرم ( خميس ) . صاحت وهي تحمي

نفسها ، بثوبها :

- هل صار زوجي ( خميس ) مجرماً .. ماذا فعل .؟!

       ثم أردفت :

- هو ليس هنا .. غير موجود .. نزل إلى حلب .

       مدّ ( الرقيب خليل ) رأسه أكثر ، ليستجلي

المكان بدقة ، وكانت نطراته تنهشان الجسد العاري ،

رغم تستر المنطقة المهمة بالنسبة له ، واستطاع

رفاقه أن يدلفوا جميعهم ودفعة واحدة ، إلى القبة

الطينية ، تسبقهم شهواتهم المتقدة بقوة .فصرخ

( الرقيب ) بوجه المرأة ، ليطيل الوقت أكثر :

- إذاً فعلها زوجك ( خميس ) وهرب .. ولكني

سأجده ، وحق المصحف .. سأجده .. لن أتركه يفلت

منّي .

     شعرت المرأة بذعر شديد .. وكانت قد نسيت

ماعليها من عريّ .. سألت :

- ماذا فعل ( خميس ) .. أخبروني ؟!.

- المجرم خدع رئيس المخفر .. وهرب .

       عندما عاد عناصر الشرطة ، بقيادة الرقيب ، إلى

المخفر ، وكان قائدهم بانتظارهم مصطحبين معهم

غريمه القروي ، ثار عليهم وراح يوبخهم ، لأنهم

عادوا من دون ( خميس ) ، مبالغاً بغضبه، لكي

يواري خجله منهم ، ولأنه لم يعد يطيق أية نظرة

توجه إليه ، من أحد عناصره ، فقد عاد وأمرهم أن

يخرجوا إلى الطريق ، وينصبوا كميناً ، بانتظار

( خميس ) ، وأقسم لهم بأنه سيعاقبهم إن لم

يستطيعوا القبض عليه اليوم .

       حين وصل ( خميس ) مكبلاً ، مدمى الوجه ،

وممزق الجسد ، وكان هو الآخر قد - فعلها - من

شدّة خوفه وهول ماتلقاه من ضرب مبرح ، حين

قبضوا عليه ، بعد أن نزل من السيارة ، العائدة من

حلب .

       ولمّا صرخ رئيس المخفر بوجهه الشديد

الشحوب :

- أتضحك عليّ ياصعلوك ؟! .

       رد بصوت منكسر ، فيه من الخوف والرجاء

الشيء الكثير :

- ولكن ياسيدي .. أرجوك أن تدعني أشاهد البنطال .

       استغرب رئيس المخفر طلبه هذا ، لكن

( خميس ) أصرّ وكرر رجاءه .. باحضار البنطال .

       فأمر رئيس المخفر عناصره  ، و على مضض

منه ، باحضار البنطال فوراً .

       وحين أمسك ( خميس ) بالبنطال المبلول ،

والكريه الرائحة ، نظر إليه ملياً .. قربه منه ..

تفحصه بشدة ، تشممه .. وعاود الشمّ ، ثمّ مدّ

أصبعه ، وأخذ من البنطال عينة ، ورئيس المخفر

وعناصره ، يراقبونه ، باندهاش وحيرة ، ثم فاجأهم

( خميس ) حين وضع أصبعه وما عليها من براز ،

في فمه ، حيث لحس أصبعه ، تذوق ماكان عليها ،

ثم التفت إلى رئيس المخفر ، وقال:

- أنا قلت لك ياسيدي ، أن - تحمّصها - ولكنك

ياسيدي .. أنت للأسف الشديد ، قد أحرقتها  ، وهذا

ليس ذنبي .

                       مصطفى الحاج حسين .
                                    حلب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق