الاثنين، 29 أبريل 2019

السراب بقلم صلاح منير

قصة قصيرة
حاصلة على المركز الأول في مسابقة عميد الأدب العربي د. طه حسين للقصة القصيرة
بقلم: الأديب صلاح منير
السراب
في شقة متواضعة في أحد أحياء المدينة نشأ نبيل بين أسرة من الطبقة الوسطى, وقد اجتهد حتي تخرج في كلية التجارة بتفوق وعمل محاسب في أحد الهيئات الحكومية, وكان قلب نبيل متعلق بفتاة تقطن البناية المجاورة, فكان كل يوم بعد عودته من العمل يقف في شرفة شقته المطلة على الحديقة التي تفصل بين البنايتان ليرى فتاته التي تعرف موعد قدومه وتقف كل يوم منتظرة ظهوره بالشرفة وكان هذا يتكرر بشكل يومي. وكم كان يشعر بالغبطة حين يرى محبوبته الجميلة ذات البسمة الساحرة  تنتظره بشرفتها. وقد أعتاد الأثنان على ذلك لعدة شهور, وفي يوم دار حوار بينه وبين نفسه
قائلا: لقد مللت من تبادل النظرات والأشارات, لابد لي من طريقة لمقابلتها. ولكن كيف لي أن أتصل بها .. لابد من طريقة ما لأعرفها بأني أرغب في الأتصال بها, "آه .. فكرة .. من الشرفة.. نعم .. حين أقف بالشرفة غدا سأخبرها بالأشارة".
وفي اليوم التالي عاد نبيل من العمل ثم اندفع الي الشرفة ليرى محبوبته وما ان نظرت نحوه حتى بدأ يستخدم الأشارات كمن يلعب لعبة "بدون كلام" ليبلغها رغبته في التواصل معها هاتفيا, ولم يصدق نفسه حين أومأت برأسها بالموافقة, لكنها أشارت له بيدها بأن يصبر قليلا. وبعد دقائق سمع جرس باب الشقة, فذهب وفتح الباب فوجد أختها الصغرة تعطيه ورقة.
ثم دخل غرفته وفتح الورقة وقرأ ما بها:
" هذا هو رقم هاتفي أتصل بي بعد العاشرة كي أتمكن من الرد عليك دون علم أحد بالمنزل".
ظل نبيل يعد الثوان وهو ينتظر. وما أن صارت الساعة العاشرة هم بطلبها فاذا به يسمع صوتها الحنون يقول:
ألو يا نبيل.
قال: أتعرفين أسمي, وماذا تعريفين عني أيضا؟
قالت: هذا كل ما أعرفه عنك والباقي سوف تخبرني به عندما نتقابل.
فرد في دهشة: نتقابل!!! "أنا وأنت"
قالت: نعم
قال بلهفة: ومتى سيكون اللقاء يا وفية؟ .. أجيبيني .. متى سيكون اللقاء؟
وفية: غدا سوف أتصل بك لأخبرك بالموعد.. تصبح على خير.
نبيل: لما هذه العجلة؟
وفية: أخشى أن يستيقظ أحد ويسمعنا.
نبيل: تصبحين على ألف خير.
وفية: وأنت من أهل الخير.
في اليوم التالي وفي تمام الساعة الخامسة مساء دق جرس الهاتف فقام نبيل بالرد فوجد وفية على الطرف الأخر تقول له:
مساء الخير يا نبيل.
نبيل: مساء الخير يا حبيبتي.
وفية: أرجو أن تنتظرني في الميدان الساعة السادسة.
نبيل: سأكون منتظرك في لهفة أرجو أن لا تتأخري.
وفية: انشاء الله .. الى اللقاء.
ما لبس نبيل أن يدرك الميدان حتي وجد وفية تقترب منه فتصافحا .. ثم سألت وفية:
الى أين سنذهب؟
نبيل: آيناسبك الجلوس على النيل؟
وفية: بشرط أن لا نتأخر عن الثامنة كي أعود مبكرا.
ثم استقلا الأثنان سيارة أجرة
وحين وصلا جلسا على احدى الطولات. ثم بدأ نبيل الحديث
قائلا: أنا الأن في قمة السعادة, فلقائك كان أهم حلم لدي.
وفية: اني على ثقة من صدق مشاعرك نحوي, فكم كنت أنتظر بفارغ الصبر اليوم الذي تتجرأ فيه وتطلب مقابلتي.
نبيل: كنت أنتظر حتى أتأكد من ميلك تجاهي. وبما أنك قلت لي على الهاتف أنك تريدين معرفة كل شئ عني. ها أنا ذا أشرح لك لتكون علاقتنا واضحة من البداية.
وفية: جميل .. هذا ما أرجوه منك.
نبيل: أنا أعمل محاسب بالحكومة ولازلت في بداية مشوار حياتي وليس لدي ما يعينني على مصاريف الزواج.
فكان رد وفية: أشعر بالسعادة لما أحسه من صراحة في حديثك.
نبيل: كم أنا سعيد بسماع هذا الكلام.
ثم نظرت وفية في الساعة وقالت: لقد انتهى الوقت سريعا وعليا أن أعود دون تأخير.
فغادرا المكان وتصافحا ثم أفترقا.
ظل الحبيبان يتبدالا مشاعر الحب والغرام كل يوم على المحمول
ويلتقيا كلما سنحت ظروف وفية.
وفي أحد اللقاءات بينهما في نفس المكان الذي اعتادا اللقاء به
.قالت وفية: اني أعلم جيدا ظروفك المالية
فقاطعها نبيل: لقد فكرت بذلك وأسعى الى توفير عقد عمل في أي بلد عربي .. وكل أملي أن تنتظريني وأن لا تكوني لغيري.
وفية: أنت تعلم كم أنا أحبك ولن أقبل أي ارتباط الا بك.
وبعد شهور كان نبيل قد حصل على عقد عمل باحدى الدول العربية.
وليلة سفر نبيل كان اللقاء الصعب.
حيث تقابلا بنفس المكان المعتاد ليودع كل منهما الآخر.
قال نبيل في صوت مشحون بالشجن: هل فعلا ستنتظرينني يا مهجة قلبي؟
فردت وفية: بكل تأكيد, وهل عندك شك في ذلك؟!.
نبيل: كم سأشتاق اليك.
وفية: وأنا أيضا سأشتاق لك كثيرا.
وفي اليوم التالي سافر نبيل حامل غرامه وعشقه بقلبه, وظل على اتصال بمحبوبته من خلال هاتفه الجوال.
في هذه الأثناء كانت وفية تعاني من ضغط والديها كي تقبل الزواج من من رشحاه لها كزوج, ولقد بذلت كل ما تستطيع لأقناعهما بالعدول عن ذلك, ولكن في النهاية ويالا الأسف تم اجبارها باستخدام السلطة الأبوية على زواجها بمن لا تحب.
وبعد عام حصل نبيل على اجازة من عمله وعاد الى بلده ليتلقى الصدمة القاتلة والتي حطمت قلبه, وهكذا دمر الحب النقي وراح العشق أدراج الرياح, وصار حلم العاشقين سراب.
أنتهت
صلاح منير
مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق