- أمر ملكي -
________
غابة واسعة الحدقة ، كعيون حور محجر امرأة جميلة ، تعلو الأشجار هنا ، تقصر هناك ، تتكاتف وتجتمع حينا ، وتترك ساحة للهو حينا آخر ، المطر يكاد يكون الزائر الذي لا ينقطع كل ليلة ، يمر بها معانقا ، يقضي ليلته الحمراء في حضنها ، ثم يمضي قبل انبلاج النور ...
لم تبق على حالها ، فقد امتدت شيئا فشيئا ، أمست مترامية الأطراف ، بدأ أسد الغابة يتململ من الاختراقات التي طاولت مملكته من جميع الجهات ، فما كان منه إلا أن دعا وزراءه لاجتماع طارئ .
- كيف ترون حال مملكتنا يا سادة ...
- إنها بخير يا سيدي ... أجاب الثعلب دون تفكير .
فكان نصيبه نظرة ذات معنى ، فانزوى على أريكته خجلا .
- هل يمكن أن نعرف ما تقصد يا سيدنا ... قال الكلب الأسود ...
- نعم نعم ماذا تقصد أيها الملك ... أردف الأرنب المسالم ...
- المملكة أصبحت كبيرة جدا ، ونكاد أن نفقد سيطرتنا عليها ، ولا ندري ما يحدث على أطرافها ... كيف ترون الحل ...
احتسى البعض من الحاضرين الشاي الأخضر ، بينما الآخرين كانوا منشغلين بالتفكير بما قاله الملك ...
بدأت المشاورات تعلو شيئا فشيئا ، الأصوات أصبحت مسموعة لأسد الغابة الذي كان يراقب ما يدور حوله دون أن يتدخل بالحديث .
وأخيرا عاد الكل إلى جلسته الأولى ، يبدو بأنهم وصلوا إلى نتيجة ما ...
- تفضل أيها الثعلب فأنت صاحب الاقتراح ... قال الكلب ...
- سيدي ، ارتأينا أن نقسم الغابة إلى ولايات ، وتكلف واليا على كل واحدة ... والكل يكون تحت سيطرتك المطلقة ...
انبرى النمر للحديث ممتعضا مما سمع ...
- لا هذا لا يناسبنا ... ربما يؤدي إلى انفلات الأمور من أيدينا ... جيراننا من البشر ينتظرون هكذا أمر ...
صمت لحظة ثم أردف ...
- وربما خرج الولاة عن الطاعة ...
- ما دمنا نراقب ما يجري فلن يحدث هذا الأمر أيها النائب ... قال الثعلب ...
- وأنا سأتكفل بالجولات السرية أيها الملك ... أوضحت الأفعى المرقطة ...
- لكني أخشى أن يتعملق الولاة كما قال نائبنا ... ألا تعتقدون بذلك ...
- لدي الحل يا سيدي ... عاود الثعلب التدخل ...
- هات ما لديك يابن آوى ... فأنت أبو الحلول .
- نعين ولاة ضعفاء ... وتكون الكلمة العليا لنا ... ما رأيك ...
ضجت الجلسة بالصراخ ، ما بين موافق ، وآخر يرفض هذا الأمر .
- رأيك سديد أيها الثعلب ... أوافقك الرأي ... الآن عليكم باختيار عدد الولايات والولاة ... غدا نجتمع في ذات الوقت لنأخذ القرار النهائي .
في اليوم التالي صدر الأمر الملكي :
الأرنب واليا للجهة الجنوبية ، العصفور واليا على الضفة الغربية ، الحمامة البيضاء واليا للجهة الشرقية ، والديك واليا على المنطقة الوسطى القريبة من قصر الملك ...
وعلى كل وال أن يختار معاونيه ممن وردت أسماءهم في الأمر الملكي .
خمسة أشهر أو أقل بقليل مضت على تلك الجلسة ، حضر المطر دون موعد مسبق إلى قصر الملك ، كان يرتعد من البرد ، وأشياء أخرى ...
- سيدي الأمور ليست على ما يرام في الولايات ...
- وماذا يجري أيها المطر ...
- ذهب الكثير من الرعية ضحية التشرذم بين الولاة ومعاونيهم ، وولاة الولايات الأخرى أيضا ...
- لكن مجلس الشورى يرفع لي تقريره اليومي ولم يتضمن أي شيء مما تقول ...
- سيدي الجميع التفت إلى النهب والسلب ...
صمت أسد الغابة لحظات طالت كثيرا ...
- حسنا ... حسنا ... ادعو لي قائد الجيش أيها الحاجب ...
- ولا تنسى دعوة قائد السجن هو الآخر ... هيا وعلى وجه السرعة ...
حضر الرعد ( قائد الجيش ) والفيل ( قائد السجن ) ... كانت جلسة مغلقة لم يعلم بها سوى المطر الغاضب ...
_________
وليد.ع.العايش
20/3/2019م
الأربعاء، 17 أبريل 2019
أمر ملكي بقلم وليد.ع.العايش
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق