الجمعة، 26 أبريل 2019

الساعة تغتال الزمن بقلم عبدالزهرة خالد

الساعة تغتال الزمن
———————
آه لو سالت الرمال إلى القاع وأرست ، علمت أنّ العود وسط الباحة انتصبَ في عزّ النهار يبحث عن ظلّه المنقوص .
لم أكن مشغولاً  ولا فارغاً إلى الحدّ الذي يسمح للساعة بالتغلغل في مساماتي ، هندمت عظامي أمام تلال الانكسارات وأنواع من الانحدارات فالروح أفق تظهر على أبعد نقطة في الجوهر ، عرفت من ينظم مسيرتي في تشعبات اليوم الواحد ثم انتقل إلى الطريق الآخر . أبدو كالطفل المدلل يزين رسغي بقيد من طرف أحادي ، علمني الكثير بلحظاته الزهيدة حينما تجمعت في واحة العمر ثم تحولت إلى تراكمات لا يمكن الخلاص منها وإن بادرت الشمس البزوغ من المغرب .
تنوعت أشكالها ، فضية ذهبية ، تعددت أماكن تواجدها ،
محبوبة وتحترم من قبل الجميع عندما لا تقدم ولا تأخر لحظة واحدة
لديها إلتزام تام مع من يضرب الموعد ويعلق مظلة الانتظار  ، تدور ليلاً ونهارا ،قد يشغل قلبها بطارية صغيرة أو دفعة أصبعين ، لها أسماء كثيرة
كالحبيبة عندما تشتهي التقبيل بين العينين . تدفع الزمن إلى الوراء عندما تكمل درجاتها الستين كالقطار يدفع دخانه إلى الخلف كي يفنى وهو يفوت إلى الأمام بانتظام الدافع والمدفوع .
لا أعرف ما المغزى في اقتنائها وتواجدها في الصحو والنوم ، متفضلة بإيقاظ الحلم الميت وفتح النوافذ على مصراعيها ، قد تكون مزعجة بعض الشيء كأنها رئيس عرفاء الوحدة تحمل العصا والصافرة في ساحة التدريب قبل أن تتناول الفطور  وشوربة أغبى الطباخين .
كثير النظر إليها كلّما أقترب موعد اللقاء ، ما أثقلها قبل المجيء وما أخفها عند العناق ، كالفريق يخشى الخسارة يزعجه الحكم بإضافة الدقائق المعدودة أخرى بينما الخاسر يتمنى يطول الدهر إلى أن ينال ما بخاطره.
لم يحسب لها الحساب لا الطفل ولا المجنون ولا يدركه الماكثون خلف القضبان عندما تساوى الليل والنهار يتلمسها الأعمى كل حين ليعرف وجودها في أية زاوية تكون بينما يكتشف النهار من زقزقة العصافير .
أهداني والدي ساعة يد عند نجاحي الأول في الصف السادس ابتدائي لكني بعد ساعات من استلامي لها كسرت مفتاح التدوير ( زنمبلك ) وقمت بدسها بين طيات الفراش وادعو الله تعالى أن يقوم اللص بسرقتها في أية ليلة يجيء ولم يستجب لدعائي لفرط توسلاتي .
على الأرجح تهوى الركوب فوق المعصم يساورها الشك كلّما دخلت جيباً خلسةً لا تفعل كما يفعل النمام لا يهمها من سرقَ ومن عاش بالحلال ، هي نفسها قد تكون جدية في الأفعال لا تحبذ المزاح ، مزحتها الوقوف بلا حراك لتتمكن منك في لقطة مضحكة كما لو أن بمراقبة الكاميرا الخفية .
وأما السائل فلا تنهر ، هم كثر  لا يملون السؤال عندما وإن أقترب الأجل
نموت وتبقى في دوران لا يعجبها النحيب بعد الفراق .
فساعة اليد أو الجدار أو أي نوع لا تستطيع إيقاف الوقت والسؤال الذي يحيرني لماذا يمر الوقت بسرعة مع تقدمنا في العمر؟
هناك دراسة للعالم أدريان بيحان استاذ الهندسة الميكانيكية في جامعة Duke  يقول :  إن التغيرات الجسدية تلعب في أعصابنا وخلايانا العصبية دورا رئيسا في إدراكنا للوقت مع تقدمنا في العمر.وأضاف بيجان: غالبا ما يشعر الناس بالدهشة حيال مقدار ما يتذكرونه من الأيام التي بدت وكأنها تدوم إلى الأبد في شبابهم. ولا يتعلق الأمر بمدى عمق التجارب ووضوحها، بل بمعالجتها بسرعة أكبر.
أخيراً يمكن القول إن الحاضر مختلف عن الماضي، لأن النظرة العقلية تغيرت، وليس لأن ساعة شخص ما تدور. كما بدت الأيام أطول في الشباب، لأن العقل الصغير يتلقى صورا أكثر في يوم واحد، مقارنة بما يحصل في الشيخوخة.
لذا أينما تمكث الساعة يتقدم الزمن في عمرِ الإنسان ويتوقف هذا الزمن عنده في وقت ما بينما تستمر الساعة في تكتكة تك تك تك وأعتقد أن الساعة تغتال الزمن أمام مرآى الناظرين للحياة.
…………
عبدالزهرة خالد
البصرة /٢٦-٤-٢٠١٩

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق