الاثنين، 6 مايو 2019

_ يوميات رمضان _ بقلم وليد.ع.العايش

_ يوميات رمضان _
         _ ١ _
مالت الشمس على كتف الجبل القريب ، طيور السنونو بدأت بالعودة إلى أعشاشها المجاورة لبيتنا الطيني العتيق .
كنت صغيرا يومها ، ربما في الصف الثالث الإبتدائي ، سمرة بشرتي لم تكن تعني لي شيئا ، بينما كان شعري أسودا كما ليل آخر الشهر ...
هناك تقبع المدرسة الصغيرة التي لا تتجاوز ثلاثة غرف ربما لا تصلح حينها للعلم ، أما الدرب إليها فكان ينشد أغانيه كل صباح بانتظار قدومنا مع حقائب مهترئة ، طريق ترابي جميل لا زالت ملامحه ترتسم على الأفق الممتد من رابية يافعة نحو سماء لا نهاية لها ...
_ اليوم لن نمر على بستان أم زهير يا عبد الكافي ...
_ ولما لا ... بل سنمر فقد شاهدت شجرة المشمش ممتلئة عن آخرها ...
_ لكنك نسيت بأن أم زهير تراقبنا ، وعصاها لا تفارق يدها ، إني أخشى ضرباتها المؤلمة ...
_ لا تخف يا رفيقي ، أحدنا يصعد إلى الشجرة ، والآخر يراقب أم زهير ...
لم يدع الجرس لنا مجالا لإكمال الحديث ، فولجنا إلى الصف خوفا من التأخر وعصا المعلم المربعة الشكل ...
كان عبد الكافي تلميذا كسولا يجلس في المقاعد الخلفية ، بينما كنت أجلس مع رفيق آخر في أول مقعد ...
_ أين وظيفتك يا عبد ...
_ أستاذ ... أستاذ ... أمي لم تعلمني كيف أكتب الوظيفة ...
_ وهل تعرف أمك الكتابة والقراءة ...
صمت عبد الكافي ، فأمه لا تعرف شيئا مما قاله المعلم ، كانت العصا تحرك رأسها كأفعى في عز الظهيرة ، ضحكت في سري ( أكلها عبد الكافي ) ...
رحلة العودة إلى البيت تنطلق فجأة ، رسمنا لوحات على وجه ماء النهر المجاور للطريق ، تعمدنا التقهقر عن بقية الرفاق ، فهناك مهمة أخرى تنتظرنا بعد قليل ...
_ سأصعد إلى شجرة المشمش ، وأنت راقب أم زهير ...
_ هيا يا رفيقي ... سأفعل ذلك ولكن لا تتأخر فأنا جائع جدا ...
ترك حقيبته التي غادر لونها منذ مدة تحت الشجرة ، وكنت هناك أراقب من بعيد ...
فجأة تظهر أم زهير بثوبها الريفي الذي ضمته بين شفتيها ، كانت تضع عصبتها السوداء على رأسها ، أما العصا فكانت تكاد تحترق شوقا لأجسادنا الصغيرة ...
المسافة قريبة جدا بيننا ، لم تدع لي مجالا للتفكير ، فحملت حقيبتي وتواريت خلف أشجار ورد جوري يعبق بالعبير والشوك ...
_ ماذا حصل مع عبد الكافي ياترى ... سألت نفسي بعد أن أصبحت في مأمن ، أتراها شاهدته ، أم أن عمرها لم يسمح لها بذلك ...
ربع ساعة تمر بسرعة ، شبح عبد يلوح من بعيد ، لم ترحمنا يومها الشمس من حرارتها القاسية كعصا أم زهير ...
تلاقت نظراتنا للحظة ...
_ ما بك يا عبد الكافي ... قلتها وأنا أضحك ...
نظر إلي من طرف عينه التي بقيت على قيد الحياة ، وما لبث أن تابع مسيره دون أن ينبس بكلمة واحدة ...
_ ولكن أين حقيبتك يا عبد ...
أذكر حينذاك بأن الجبل القريب عاد إلي بصدى ندائي الأخير ، بينما سقطت من جيبه ( المبخوش ) ثلاث حبات مشمش ...
_________
وليد.ع.العايش
١ رمضان ١٤٤٠

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق