بَـهْـجَةُ الدُّنيا وواحِـدُهـا
***
رثاءُ البروفسورعبد الله الطّيِّب المجذوب
مفسرُ القرآن بالعاميَّة السودانيَّة مُذاعاً بالصوت
ومؤلُّفُ كتاب المرشد الى فهم أشعار العرب
ومؤسِّس ورئيس مجمع الُّلغةِ العربيَّة بالسودان .
***
حُـزناً عليكَ قلوبُ النَّاسِ تَـنفَطِـرُ
يا مَن تُـشَيِّعُـهُ الآياتُ والـسُّوَرُ
فَسَّرتَ أَنتَ كتابَ اللَّهِ فابْتَهَـجَتْ
بِـما تُـردِّدُهُ الآصالُ والـبُكَـرُ
صدِّيقُ - يَـقرأُ والأَرواحُ خَـاشِـعَةٌ
وأَنتَ تَشرَحُ حتَّى يَـفهمَ الـحَجَرُ
مُـحَمَّدُ بنُ جـريـرٍ حـاضِرٌ أَبَـداً
والـقُرْطُـبِيُّ ومَنْ تَفسيرُهُ الأَثَـرُ
وأَنتَ بـينَهُمُ صِـنْـوٌ تُـحاوِرُهُـمْ
في المشكِلاتِ إِذا بالرأْيِ قد نَـظَروا
وقد تُـرَجِّـحُ رأْيَـاً أَنتَ تُـؤْثِـرُهُ
بِـحُجَّةٍ لك تَـجْلوها فَـنَـنْبَهِـرُ
واللَّهُ أَعـلَمُ لا تـنْـفَكُّ تُـوردُهـا
تَنفي الغُرورَ ويُـملي قولَها الـحَذَرُ
وذاكَ دَأْبُ ثِـقاتٍ أَنتَ وارِثُـهُـمْ
واللَّهُ أَعـلَمُ نِصفُ العلمِ قد ذَكَروا
وكنتَ للـعلمِ خِـدْنـاً لا تُـفارِقُـهُ
والـعلمُ كان بِـما تُبديهِ يَـفْتَخـرُ
أَنفَقتَ عُـمرَكَ في التَّعليمِ مُـحْتَسِـباً
وللعُـروبَـةِ والإِسـلامِ تَـنتَصِـرُ
وقد أَعَـدْتَ إِلـى الفُصْحى فَصاحَتَها
من بعدِما أَوشَكت في العَصْرِ تَنْدثِـرُ
وكلُّ عِلمٍ يَـراهُ البعْضُ مِـلْكَهُـمُ
إِنْ خُضْتَ فيهِ فأَنتَ الصَّارِمُ الـذَّكَرُ
الطِّّبُّ والفَنُّ والآثـارُ يُـذْهِـلُهُـمْ
حَقَّاً حَديثُكَ عنها وهْـوَ يَـزدَهـرُ
وكلُّ قُـطْرٍ إِذا ما جِـئْـتَ زائِـرَهُ
تاهـتْ منا بِرُهُ وانتابـها الـبَطَـرُ
والنَّاسُ حَـولَكَ أَبْـصارٌ وأَفـئِـدةٌ
وأَنت فيهـا على الـتَّأْثيرِ مُـقتدرُ
(عَرِّجْ على جَوْسَ) واذْكُرْ فضْلَ قائِلِها
على التَّكاريرِ بالـمَجذوبِ قد سُحِروا
فَـقد أَقـامَ لـهمْ كلِّيَةً شَـمَـخَتْ
هَـزَّتْ مَعاطِفَها في سُوحِها مُـضَـرُ
و(فاسُ) تَـشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ أَكْـرَمَـهـا
بالـنِّيلِ عَـذْبَاً إِليها سَاقَـهُ الـقَدرُ
وعاهِلُ الـمَغربِ الـمَعمورُ مَجْلِسُهُ
أَدْناكَ منهُ وأَصْـغَى كلُّ مَنْ حَـضَروا
تُصَرِّفُ القولَ أَنَّـى شِـئْتَ في ثِـقَةٍ
وفي سَـماحَةِ نَـفْسٍ ما بـها كَـدَرُ
وما طَـلَبتَ من الـدُّنيا وزيـنتِـهـا
إِلاَّ الـمعالـي وما فـي غيرِها وَطَـرُ
وإِن عَـمَدْتَ إِلـى التَّاريخِ تَـبعَـثُهُ
يـوماً تَـزَيَّـنت الأَخـبارُ والـسِّيَرُ
تَسعى إِِليكَ بِـشَوقٍ فـي مُـدافَعَـةٍ
وأَنتَ تَـنظُـرُ فيها ثُـمَّ تَـنْـتَـقِـرُ
تُـحَدِّثُ النَّاسَ عن أَخْـبارِ مَنْ سَلَفوا
كأَنَّما القومُ فـي الـمِذْياعِ قد نُـشِروا
ومُـرشِدُ الشِّعر طَه الـفَذُّ قَـرَّظَـهُ
وقال فـيهِ نَـفيسُ الـدُّرِّ مُـنتَـثِـرُ
أَبْـرَزْتَ فيه بُـحورَ الشِّعرِ فاتِـنَـةً
عَـذراءَ قَـبْلَكَ ما إِنْ مَـسَّها بَـشَـرُ
إِنَّ الـخَليلَ قَديـماً كانَ أَنْـجَبَهـا
لكنَّها بَـقيَتْ فـي الـخِدْرِ تَنـتَظِـرُ
حتَّى نَـظَرْتَ لـها يوماً فأَدْهَـشَها
وَمْـضُ البَصيرَةِ فـي عَينيكَ يَـسْتَعِـرُ
وأَسْـلمتْكَ عَـصِيَّاً من أَعِـنَّتِـهـا
فَـبِتَّ مُـنْتَشِيَاً تَـعدو بكَ الـفِكَـرُ
ورُحتَ تَسْتَعْرِضُ الأَشْعارَ مُـقْتَحِـماً
كلَّ الـعُـصورِ ولا تُـبْـقي ولا تَـذَرُ
تُحَلِّلُ الـنَّصَّ تُـبدي حِـسَّ قائِـلِهِ
ولَـم تكن تابِـعـاً بل أَنتَ مُـبتَكِـرُ
وتَـنقُدُ الشِّعـرَ نَـقْداً لا يُـماثِـلُهُ
نَـقْدٌ حديثٌ ولا نَـقدُ الأُلـى غَـبَروا
مَذاهِبُ الـنَّقدِ شَـتَّى حين نَـذكُرُها
وأَنتَ مَـذهَبُكَ الإِحْساسُ والـبَصَـرُ
والشِّعـرُ عندكَ نَـبْعٌ طابَ مَـوْرِدُهُ
وطابَ للنَّاسِ فـيهِ الـوردُ والـصَّـدَرُ
(أَصداءُ نِيلِكَ )فـي الأَسـماعِ دافِـقَةٌ
تَـروي الظِّماءَ وفيها السُّنبُلُ الـنَّضِـرُ
ذَكرتَ فيها الْـتقاءَ الأَزرَقـينِ كما
دَنَـا أَخـو غَـزَلٍ قد هَـزَّهُ الظَّفَـرُ
(وعـندَ رَامَـةَ بَـانَـاتٌ )تُـظَـلِّلُنا
من الـهجيرِ ويَـحلو بينها الـسَّمَـرُ
(وسقطُ زَنْـدِكَ ) كَنـزٌ كم تَـطالِـعُنا
فيهِ الـتَّجاربُ والأَفـكارُ والـصُّـوَرُ
وفـي ( الأَصيلِ أَغَـانٍ ) حين نُـنشِدُها
تَسمو الـنُّفوسُ ومنها يُقطَفُ الـثَّمَـرُ
وكم (تَلََمَّسْتَ فـي الأَشعار تَـعْـزِيَةً )
والـنَّائِـباتُ إِلـى دُنـياكَ تَـبتَـدِرُ
(والـبُحْتُريُّ نَـديـمٌ كم تُـسامِـرُهُ )
ومن حَـبيبٍ عُيونُ الشِّعـرِ تَـنْفجِـرُ
(وأَحـمدُ الـمُتَنبِّي )كنتَ مُـنْصِـفَـهُ
من الـرِّواياتِ بـينَ الـنَّاس تَـنْتَشِـرُ
كَتَبتَ عنهُ كِـتابـا قَلَّ مُـشْبِـهُـهُ
والـكُتْبُ كُـثْرٌ ولكن تَندُرُ الـغُـرَرُ
وقد شَـرحْتَ لِـفحْلِ القومِ دُرَّتَـهُ
( بَـائِـيَّةً )أَخَـذتْ بالـشَّرحِ تَـشْتَهـرُ
(وشِـعرُ غَـيلانَ )من أَحْلى قَـصائِـدِهِ
نَـمَّقتَ باقَـةَ ورْدٍ عِـطْرُها عَـطِـرُ
وفي ( حَـمَاسَتِكَ الصُّغرى ) جَـمَعْتَ لَنا
عَذْبَ القَريضِ وما أَزْرَى بـها الـصِّغَرُ
أَمَّا (الـقِطارُ فَـفَازَتْ مِـنهُ نـافِـذَةٌ )
بالـذِّكرَياتِ إِذا ما هـاجَت الـذِّكَـرُ
ومسرَحُ الشِّعرِ ماسَتْ فيهِ مُـشْرقـةً
(أُختُ الرَّشيدِ ) عليها الـدَّلُ والـخَفَـرُ
(وجـعْـفَرُ الـبَرمَكيُّ ) الـحُبُّ أَوْرَدَهُ
حَـوضَ الـمنايا وفي مأْساتِهِ الـعِبَـرُ
وبالتَّلامـيذِ قِـدماً كنتَ مُـحْـتَفياً
وفي الـمناهـجِ لا يَـخْفى لكَ الأَثَـرُ
(وللأَحاجـي) كتابٌ ضَـمَّ أَمْـتَعَـها
(والـسِّندبادُ )حَـياةٌ زانَـها الـسَّفـَرُ
(والـبرقُ لاحَ وفـي أَضْـوائِهِ مَـدَدٌ )
من السَّماءِ على الـمَجذوبِ يَـنهَـمِرُ
مَدحتَ فيهِ رسـولَ اللَّهِ فـي وَلَـهٍ
وأَنتَ مُـتَّـَشِحٌ بالـحُبِّ مُـؤْتَـزِرُ
وطُفْتَ فيهِ على أَحْـداثِ سِـيرَتِـهِ
ولـم تَدعْ حَـدثـاً إِلاَّ لَـهُ خَـبَـرُ
يا طَيِّبَ القلبِ عَفواً عن مُـحاوَلَـتي
أَبياتُ شِـعري عن الـتَّقصيرِ تَـعْـتَذرُ
لولا الـمَحبَّةُ ما سَـطَّـرْتُ قافِـيَتي
ولا تَيَمَّـمتُ لُـجَاً حَـفَّهُ الـخَـطَرُ
وكنتُ أَقْـنعُ بالأَحزانِ تَـغْـمُرُنـي
لكنَّ نَـفسي بأَمْـرِ الشِّعْـر تأْتَـمِـرُ
والنَّفسُ أَمَّـارَةٌ بالسُّوءِ قد وصِـفَتْ
وضَـعفُ شِـعْريَ إِلاَّ فيكَ يُـغْـتَفَـرُ
يا طَيِّبَ الأَصْـلِ يا أُسـتاذَ أُمَّـتِـهِ
كيف العزاءُ وأَنتَ الـشَّمسُ والقمَـرُ
وأَنتَ بَـهْجَةُ دُنـيانا و واحِـدُهـا
وغِبتَ عنها فقلْ لـي كيفَ نـصْطَبـرُ
جَـزاكَ رَبُّـكَ عن قُرآنِـهِ غُـرَفَـاً
من الـجنانِ إِلـيها أنتَ تَـبْـتَـكِـرُ
ثُـمَّ الصًّلاةُ على سِـرِّ الوجودِ بـها
نَنجو جَـميعاً إِذا ما النَّاسُ قد حُـشروا
صَلَّى عليهِ إِلـهي كلَّما تُـلِـيَـتْ
صلُّوا عليهِ - بـها مَن آمَنوا أُمِـرُوا
مـعَ الـسَّلامِ تَـعُـمُ الآلَ كلَّهُـمُ
وصَـحْـبَهُ أَبَداً ما أَوْرَقَ الـشَّجـرُ.
***
بشير عبد الـماجـد بشير
السودان
من ديوان ( مع الأحباب الرَّاحلين )
ما بين الأقواس إشارة الى أسماء
دواوين وكتب له .
جزيل شكري وتقديري والتحية للجميع .
ردحذف