الثلاثاء، 7 مايو 2019

_ يوميات رمضان 2 وليد.ع.العايش ٢ رمضان ١٤٤٠

_ يوميات رمضان _
      _ ٢ _
أقسم أبو عبادة بألا يعود في ذلك اليوم وإلا في جعبته الكثير من الطيور  ...
خمسة أطفال وبنت واحدة ، وزوجة ، في غرفة تصلح فقط لسكن بعض الدجاج ، القش يملأ الأرض في الخارج ، الجدران الثلاثة تكاد أن تلامس الثرى ، سقف متحرك يقف مجبرا في أعلى ، ساقية ماء تجاور البيت ، لكنها أصبحت أرملة منذ أكثر من سبع سنوات خلت ...
الفجر لم يكن بعيدا في هذا الصباح ، نظر الرجل صوب كومة من اللحم تغط في سبات عميق ، تمتم بكلمات مبهمة ثم خرج رافعا رأسه نحو السماء ...
_ لا تتأخر يا أبا عبادة ... الأطفال جياع ...
_ لن أتأخر كثيرا ، سأعود قبل مغيب الشمس ...
عادت أم عبادة إلى فراشها الذي مازال ساخنا ، الابن الأكبر ينظر من تحت غطاء رث ، لكنه بقي صامتا .
عاد النهار من غفوته ، الأطفال يلهون قرب البيت ، بينما الأم ( الحامل ) تحلب العنزة السوداء ، الضرع يجود بما تركته بعض الحشائش في بطن العنزة ، عندما انتهت هرع الأطفال نحوها ...
ناولتهم شيء من الحليب البارد ، كبيرهم لم ينل نصيبه ، فقد اغتالت الثغور الخمسة كل ما احتواه القدر الصغير ...
_ لما لم تشرب يا بني ...
_ لا يهم يا أمي ... لا يهم ... لست جائع ...
_ لكنك منذ الأمس لم تذق طعاما ...
_ بلى ... لقد أكلت بعض ورق شجرة العنب ...
سكتت الأم ، فليس للكلام أي معنى الآن ، عاود الأطفال لعبهم ...
ضرب أبو عبادة موعدا مع الطيور في تلك البادية ، لم يأبه للحرارة الشديدة ، عيناه تلتهمان الأرض والسماء دون هوادة ...
بالقرب منه كانت خيام للبدو تمد رأسها بين أشعة الشمس ، الظهيرة تبدأ بالرحيل شيئا فشيئا ...
_ تعال ... تعال أيها الرجل ...
كان الصوت ممزوجا بلهجة بدوية جميلة ، نظر إلى مكان الصوت فإذا بامرأة تصرخ عليه من خلف ستارة الخيمة ...
اتجه صوبها خجلا ، كانت جعبته تحمل طيور صغيرة ، بينما شعره الأشعث يقسو على رأسه أكثر مما يتوقع .
_ أريد ماء يا أختي ...
_ ادخل إلى ( الشق ) وسيأتيك الماء والطعام يا رجل ...
_ أين صاحب البيت ...
_ سيعود بعد برهة فهو مع الأغنام ...
دخل الرجل إلى الخيمة ، كان التعب قد أخذ منه مأخذا كبيرا ...
حضر الماء بآنية من ( الطوب ) وماهي إلا لحظات فقط وكان الطعام أمامه ، عندما نظر إلى الطعام انهالت على مخيلته وجوه أطفاله الستة ، تراجع قليلا إلى الوراء ...
_ تفضل ... تفضل ...
_ لك الشكر يا أختي ... سأفعل ... سأفعل ...
لم يتم كلامه حتى كان صاحب البيت يصيح من بعيد ، أصيب أبو عبادة بشيء من الرعب ، والخجل ، بينما المرأة كانت تضحك وهي تختلس النظر إليه ...
_ لدينا ضيف يا رجل ...
_ أهلا وسهلا ... على الرحب والسعة ...
تصافح الرجلان وكأنهما يعرفان بعضهما منذ زمن طويل ...
_ لماذا لا تأكل يا صاحبي ...
_ لا شيء ... لا شيء ...
بعد إصرار الرجل تناول أبو عبادة بعض الطعام ، التهم الماء أكثر  ...
_ هل تقص علي حكايتك يا أبو ...
تنهد أبو عبادة طويلا ، ثم قص على الرجل البدوي حكايته ، في ذلك الوقت كانت السماء تتوشح بغيمة من غيوم الصيف ...
_ يجب أن أغادر الآن ... أطفالي بانتظاري هناك ...
_ لك ما تريد ... أتمنى أن نلتقي مرة أخرى يا صديق ...
قبل أن يغادر أهداه الرجل خروفا وأوصاه أن يطعمه لأطفاله ، لم يكن أمامه أي فسحة للرفض ...
ابتعد أبو عبادة عن الخيمة وهو مازال يلوح بيديه للبدوي ...
كاد قلبه أن يهجر مكانه فرحا ، حث خطاه نحو البيت ، الغيمة الصيفية تأبى أن تمضي دون أن تترك بعض حبات المطر تنسال عبر حرارة المساء ...
أصبح على مقربة من البيت ، رتب أشيائه ثم تابع السير ، نظر إلى مكان ما ...
_ يا إلهي أين البيت ... أين الأولاد ... أين الأولاد ...
________
وليد.ع.العايش
٢ رمضان ١٤٤٠

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق