الحذر من المكر والخداع والخيانة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق-3-3-2018
في خلافة امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكعادتة اليومية واثناء طوافه في المدينة وتفقده احوال الرعية عثر على جثة رجل قتيل بطعنة سكين في بطنه , وقد جُرّت " سحبت " الجثة على الأرض جرّاً "سحبا ", وألقيت " و رميت "في العراء , ولم يجد أثراً يستدل به على القاتل , كما لم يتقدم أحد للإدلاء بشيء عن الجاني أو بذكر صفة من صفاته مما زاد في قلق امير المؤمنين عمر رضي الله عنه , فكان يدعو الله قائلاً : " اللهم بصرّني بالقاتل " . وتوالت الأيام ومرت الشهور دون أن يظهر أي خيط من خيوط الجريمة وبعد تسعة أشهر عُثر على طفل حديث الولادة ألقى في نفس المكان الذي أُلقيت فيه جثة القتيل , ولما رُفع الأمر إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: هذا أول خيط , الآن ظفرت بالقاتل . وأخذ الطفل , وعهد به إلى امرأة ذات فراسة , وطلب منها أن تحمل الوليد , وتتجول به بين البيوت , عارضة الطفل على من تُرضعه بدعوى أن الطفل يتيم الأبوين , وأوصاها أن تتفرّس في وجه كل امرأة تُرضع الطفل , وتلاحظ مدى انفعالها وتأثرها وما يظهر على قسمات وجهها من مشاعر وأحاسيس لافته للنظر . فحملت المرأة الطفل وشرعت تجوب البيوت بيتاً بيتاً تسأل عن مرضع , ومن بين عدة بيوت لا تجد إلا بيتاً فيه امرأة مُرضع , ومضت أيام وأيام , وفي كل يوم تخبر أمير المؤمنين أنها لم تجد شيئاً غير عادي , فكان يحثّها على مواصلة السعي والاستمرار في بذل أقصى الجهد . وفي يوم دخلت بيت امرأة شابة , فقالت لها : يا أختاه , هل لك في إرضاع طفل وليد يتيم الأبوين وأجرك على الله ؟ فتناولته الشابة , وما أن وضعته على صدرها ونظرت في وجهه حتى اضطربت , واحمرّ وجهها وظهرت علامات التأثر والانفعال في قسمات وجهها , ثم ألقمت "اعطت "الطفل ثديها , وفي صمت شرعت ترضع الطفل ودموع غزيرة تتساقط من عينيها على خديها وعلى وجه الطفل . كانت المرأة تراقب بدقة , وتلاحظ مشاعر الشابة وأحاسيسها تجاه الطفل ثم أخذته وانطلقت مسرعة الى أمير المؤمنين , وأطلعته على أمر الشابة وما بدر منها تجاه الطفل ، فأرسل في طلبها , ولما مثلت بين يديه , سألها : ما حكايتك مع هذا الطفل ؟ تكلمي بصدق , واياك أن تكذبي , فشرعت تبكي في حرقة ولوعة وأسى ثم قالت : يا أمير المؤمنين , خرج أبي مجاهداً في سبيل الله , وتركني في البيت لوحدي , وأوصى بي امرأة عجوزاً لتقضي الليل معي حتى يعود , وكانت المرأة العجوز تأتي كل ليلة , وتبيت في فراشي حتى الصباح , ثم تتركني . وذات ليلة أحضرت معها امرأة وقالت : يا ابنتي , إن هذه المرأة ستبيت الليلة عندك بدلا مني , لأنني سأزور أقارب لي , وأبيت عندهم , وباتت المرأة معي في الفراش , وفي جوف الليل وأنا أغط ّ في نوم عميق استيقظت فجأة على رجل يغتصبني , فما كان مني إلا أن طعنته بسكين في بطنه . فقتلته , وما كانت المرأة التي نامت في فراشي إلا هذا الرجل الخائن الغادر الذي تخفى في ثياب امرأة , ثم أخذت أجر " اسحب " الجثة بعيدا عن العيون , وألقيتها " رميتها " في العراء بعيدا عن بيتي . ومضت أيام وأيام وإذا أشعر بعلامات الحمل , فأخفيت حملي إلى أن ولدت هذا الطفل , وبعد أن ولدته وضعته في مكان أبيه . هذه حكايتي يا أمير المؤمنين من أولها إلى آخرها .
كان عمر رضي الله عنه يصغي إلى المرأة الشابة في تأثر عميق إلى أن فرغت من كلامها ثم قال: ( عجبت لقاتل يدخل الجنة , ومقتول يدخل النار ) . هذه المرأة العجوز التي وثق بها والد الفتاة , وأمنها على ابنته مدة غيابه , خانت الأمانة , وغدرت بالفتاة , وأسلمتها إلى رجل منافق متخفي في زي امرأة ليبيت عندها ويعتدي على عرضها .
يقول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف , وإذا اؤتمن خان ) رواه البخاري .
أما ذلك الرجل المنافق الغادر الذي لا يستحي من الله , فقد استغل وجود شابة وحيدة في بيتها , وفي غفلة منها اغتصبها فكان كالحية الناعمة الملساء التي لدغت الضحية , ولقد نال جزاءه العاجل بطعنة سكين مزقت أحشاءه , ومات عاصياً لله إذ فارق الدنيا وهو يرتكب الفاحشة , فيا لسوء الخاتمة !!! فالمرء يبعث يوم القيامة على ما مات عليه ولقد شدّد الإسلام في الأمانة والعهد , فجعل رعاية الأمانة والوفاء بالعهد من سمات النفس المؤمنة , وجعل خيانة الأمانة وإخلاف العهد من سمات النفس المنافقة , فالمؤمنون إذا ائتمنوا لم يخونوا , وإذا عاهدوا لم يغدروا , يقول الله تعالى في وصفهم والثناء عليهم : (( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون )) سورة المعارج : الآية 32 . قال الرسول عليه الصلاة والسلام : " المكر والخديعة والخيانة في النار " رواه أبو داود...
الأحد، 4 مارس 2018
الحذر من المكر والخداع والخيانة بقلم د.صالح العطوان الحيالي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق