الجمعة، 28 سبتمبر 2018

لامكان الشاعر عمر بنحيدي

قصة قصيرة.                         لا مكان

       أفلست  الشركة ،ولفظته كباقي رفاقه إلى الشارع .دون تعويضات ولا تقاعد ولا يحزنون « العالم كله في أزمة ألاتشاهدون أخبار العالم،؟»  صرخ في وجههم المدير العام  .ما إن يدخل البيت حتى تبدأ الطلبات تنزل مطارق على رأسه.« سبحان الله على الرجل ! لك نفس باردة .» . يفتح عينيه على هذه النغمة الجديدة لزوجته التي لم تجرؤ في السابق على جرحه ولو بكلمة بسيطة.وبهدوئه يجيبها،:« ماذا هنالك،؟ لماذا تصرخين؟»  .وبنفس الموجة الصوتية العالية معززة  بحركات من يديها الغليظتين :« ابحث لك عن عمل ٱخر .لاشك انك استحليت النوم والكسل! » .كلامها الغريب طعنات في قلبه .  جرب كل شيء وفشل . من سيشغل رجلا تجاوز الخمسين  ولا يتقن  اية حرفة اخرى غيرحارس بالباب ."ماذا سافعل يارب ؟"،سمع صوتا داخليا يامره بالخروج .استحسن الفكرة فنفذ في الحال.
   ضاقت  به الدنيا على رحابتها..إلى أين ساذهب؟ إلى أين ومشى وراء رجليه .لما وقفا، وقف هو أيضا.المكان لابأس به .إنه بيت الله..أحس بالطمانينة والهدوء التام ،خاصة وأن المصلين قد غادروا ولم يبق غيره والمؤذن. فغفا .
   وإذا بيد أثقل من يد زوجته تهزه هزا :« سبحان الله! » .فتح عينيه مستغربا كيف تمكنت زوجته من الوصول الى هنا ،
ولكنه وجدها صارت رجلا ،هكذا تهيأ له..:« ماذا تريد مني ؟ » أجابه الرجل بثقة :« أنا لا اريد سوى الذهاب إلى حال سبيلي». وبدون تردد:« هل  أدلك على الطريق إلى حال سبيلك،؟»  وبدون مجاملة  صرخ المؤذن بصوته الجهوري وأطال كما لو أنه يؤذن :« هذا مسجد للصلاااااااة وليس للنووووووووم». ردد في داخله:« أعرف ،أعرف ولكن للضرورة أحكام » ولما تأخر في الاستجابة .فإن الٱخر أحضر عصا غليظة وهدده بكسرها على رأسه إن لم يغادر حالا.
وعند عتبة الخروج نصحه:« تريد أن ترتاح  الراحة التامة ،عليك بالذهاب إلى السجن.هناك كل شيء متوفر: النوم والطعام والحمام. .»  شكره على نصيحته واسرع يبحث عن الاتجاه.
:« الدخول إلى السجن بشروط.نعم .ٱه تذكرت ابن جيراننا هو الٱن في السجن محكوم مؤبد .إنه مرتاح الراحة الكبرى.ولكنه  قتل روحا . ماذا،؟ لا انا لا  أقتل  إلا هذا الشرط .وتدخل الصوت الذي بداخله : وهل لديك قوته؟  إنك إن تجرات على احد ارسلك إلى المستشفى ،لا انت بميت ولا بحي ،وردد:« زوجتي وصراخها اهون علي من هذا ..»
   قرر هذه المرة عدم السير وراء رجليه .أليس لديه عقل؟ إذن فليحضر هذا العقل حالا ليجد المكان المناسب.
تمدد فوق كرسي بالحديقة العمومية.تنفس الصعداء على الأقل هنا لا من يأمره بالمغادرة.وبينما هو في حوار مع نفسه،سمع
أحدالمتشردين ،قال في نفسه،"إنه زميلي"،سمعه يلعن ويهدد ،"لاشك انه مع متشرد ٱخر .هذا لا يهمني" ،فغفا.وإذا بيد ثالثة ،كادت تقتلع دراعه:« إسمع إما أن تترك مكاني وإما أرسلك حالا إلى المقبرة .» المتشرد جاد في قوله .فيمناه تحمل سكينا  أو قل سيفا لا  أدري. ويسراه تضم زجاجة خمر نصف فارغة ، بحنان كأنها وليد .
لم يحر جوابا. شكره لأنه أعطاه الحل .نعم هناك لا أحد يمكنه طرده. حدد مكان وجودها واتجه نحوها .
وجد الناس بين داخل وخارج،لكن اغلبهم  يتباكى .« وأنا هل سيبكي علي أحد يوم ٱتي  إلى هنا ؟» . اختار مكانا قصيا بين قبرين واستلقى إلى جنبهما. ونام.  
   رٱى نفسه ميتا وزوجته وأولاده حائرون ،ماذا سيفعلون .كيف سيدفنونه؟ القبر بثمن .المشيعون بثمن .والليلة .يجب ان تكون ليلة ليلاء ،كليلة عرس .لابد من ممون الحفلات  .ومن اين لهم بكل هذه الاموال؟  لا لا أريد ان أموت.وبينما هو يصرخ رافضا الموت أحس بأنياب تنغرز في دراعه ،وكان كلب حارس المقبرة : « سيدي هذا مكان له حرمته .حتى الأموات لا تتركونهم يرتاحون». أراد ان يشرح ظروفه  للحارس ولكن الكلب لم يترك له فرصة ،فقد زمجر فيه وكاد يرتمي على وجهه ينهشه لولا أن  تداركه صاحبه.
   هم بالمغادرة وإذا بكلب الحارس يعوي مذعورا إلتفت صاحبه ليرى القبور تفتح فلم يسعه غير الهروب مخلفا وراءه الكلب. كل الاموات رحبوا به أيما ترحاب.لكن ذلك الصوت اللعين رفض وبشدة.همس له :« إياك  أن تقبل ،فلم يحن الوقت بعد».
فتركهم وخرج هائما على وجهه.

عمر بنحيدي.      27/9/2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق