تهاجر الأسماء من أصحابها
———————————
في أيام دراستي الجامعية كان لي صديق اسمه ( حكمت ) طرقتُ باب مسكنه الواقع في أحد المناطق في بغداد وخرجت لي جدته سألتها عن صديقي حكمت فأجابتني لا يوجد في المنطقة ولد اسمه حكمت ، عند لقائه ذكر لي أن أسمه في المنطقة ( عدنان ) حتى جدته لا تعلم أنه مسجل في هوية الاحوالِ المدنية بهذا الأسم.كثيرة مثل هذه الحالات نسمع بها أو نتعامل معها كما أني نسيت أسم ابنتي آخر العنقود في المركز الصحي طالما تعودنا على تسميتها باسم الدلع .
قبل عشر سنوات كان مقر عملي في أحد الدول العربية ، لاحظت الناس هناك ينادون على الفرد حسب مهنته ومنصبه فمثلاً على سائق الأجرة ينادونه يا سواق والمعلم يا معلم والمدير يا مدير أو إذا كان زميلك في العمل يناديك على منصبك أو على اسم عشيرتك وقبيلتك .
هناك في العراق تعودنا على مناداة أصدقائنا ومعارفنا حسب اسم الأبن أو البنت البكر ، ابو فلان ، أبو فلانة ، ويقتضي الأمر عند تعظيم الشخصية يكنى بالشيخ أو السيد والملا ، معالي الوزير ، السيد النائب ، فخامة الرئيس ، ومن باب عدم الاحترام عندما تنادي الشخص باسمه الأولي متناسيا اسم الولد أو المهنة والمنصب والدرجة الوظيفية فطبيعي جداً ننادي على فلان ( أبو الجكاير ، أبو المحابس ، أبو شامة ، أبو عيون وغيرها ) .
قد يقع ذلك على أصحاب الحرف كالبقال والحداد والمقاول والكاتب بحيث نختصر تعريف الفرد بمهنته دون ذكر اسمه فلا يهتم صاحب الشأن بكافة النواحي حينما يذكره المنادي بمهنته ( كالخطاط ، الشاعر ، الخياط ، الكهوجي ، القصاب ، الحمال ، العربنجي ، الطبال ، الفيترجي )
وهنا يبادر الموضوع السؤال من يقوم بنشر التسمية السائدة هل المجتمع أو الأسرة أوالأصدقاء ؟ حتما تسمية الأصدقاء تختلف عن المجتمع والأسرة أحيانا وذلك يتبع شطارة ودهاء الصديق أو دماثته ونشاطه وحيلته التي تساعد في تسميته وترك أسم الأولي جانباً .
يقوم بعض المجتمعات على التسمية المحببة بالتصغير الأسم ( محميد ، عبيد ، علاوي ) وقد تشترك معهم الأسرة ولكن بنوع أكثر دلعاً للبنت النشيطة والولد الكثير الحركة .
من هنا لابد من الاشارة على منْ يحدد هذه التسميات وَمَنْ يشترك في تأليفها وهل هي مقبولة لدى صاحب الشأن أن قبوله على مضض.
قد تكون اجابات الاستفسارات بمثابة إتمام المقال لكن عليها تقييم ذلك من خلال إتساع الظاهرة أو إنحسارها في نطاق واسع من المجتمع . مقارنة مع الدول الغربية عندما يأخذ اسم الأب هو الأسم الحقيقي لكل أفراد العائلة كذلك الحال بالنسبة للزوجة التي تكتسب اسم زوجها .
الشيوخ والعرافون يتهمون بإلصاق أسم الأم على المرء عند كثير من المناسبات منها إهداء سورة الفاتحة وطلب احضار الأرواح وعلم الغيب.
إذاً هجرة الأسماء لم تكن عملية سهلة من أصحابها بل هناك عوامل مجتمعية وجغرافية تدخلت في هذه الهجرة ليصبح الفرد مجرد من حقيقته بل يكون مجبوراً على التخلي عن اسمه الصريح المعروف لدى ألواح السماء على العكس من الأسم الذي يطلق عليه بناءً على رغبة الأسرة والمجتمع والأصدقاء. ربما رياح الزمن تعري صخرة الاسم الثابتة على سفوح العمر ويبقى الأسم منقوشاً مهما مرت عليه الأكف والأعين والألسن ، يبقى الأسم الصريح ثابتاً على لوحة القبر لن يندرس مهما طال الزمان ، فالشخصية لا تغيره التعرية عن التسمية وكما يقال المرء يكمن في عوده وصلبه .
لا ننسى الألقاب التي يطلقها الأصدقاء مثل ( جوقية ، جوحي ، وبعض التسميات التي تغني الشارع منها ) قد تؤثر في الفرد عند الكبر أو عند استلام منصباً مرموقاً في الدولة أو المحافظة فيظل أصحابه ومعارفه ينعتوه بنفس الأسم رغم عدم قبوله لذلك وسيكون بعد ذلك تسميته نفاقاً وتصدية ، فلا تنابزوا بالالقاب بئس الأسم الفسوق.
——————
عبدالزهرة خالد
البصرة/ ٢٤-٩- ٢٠١٨
الاثنين، 24 سبتمبر 2018
تهاجر الأسماء الشاعر عبد الزهرة خالد
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق