جيش الفتوحات الإسلامية .. أخلاق القادة والجند
ــــــــــــــــــــــــــ د.صالح العطوان الحيالي - العراق -22.9.2018
يتعمد الكثيرون ممن يحملون بغضاً وكراهية لحركة الفتوحات الإسلامية تشويه صورة هذه الفتوحات التي نقلت البشرية من ظلمات الكفر والظلم لنور الإسلام والعدل فيصوبون سهامهم نحو الفاتحين المسلمين ويتهمونهم بسفك الدماء ونهب الأموال وهذا من الاجحاف بل هذه الاتهامات ينطبق عليها كما يقولون ''رمتني بدائها وانسلت'' فمن يوجهون هذه الاتهامات من كُتّاب الغرب ومن سار على شاكلتهم عليهم أن يراجعوا تاريخهم وتاريخ أجدادهم أولاً ليعلموا أنهم هم سافكو الدماء الحقيقيون وهاتكوا الأعراض ومدنسو المقدسات، أما المسلمون فلم يكونوا يوماً قتلة وسافكي دماء بل كانوا أصحاب عقيدة ومنهج حتى في جهادهم كانت تحكمهم المبادئ والقيم ...
تحتفظ ذاكرة التاريخ لهذه الأمة الإسلامية بتجربة جهادية فذة كان لها أبلغ الأثر في بسط رسالة الإسلام على مساحات شاسعة من الأرض في فترة قياسية من الزمان؛ وإذا ما أخذنا نموذجا لذلك الفترة النبوية التي تمثل مهاد التجربة الجهادية في الإسلام فسنجد أن النشاط الجهادي المسلح لهذه الفترة يتلخص في عقد واحد من الزمن قام فيه النبي صلى الله عليه وسلم بقيادة ثماني 8 معارك عسكرية، وشن ثماني عشرة 18 غارة، وبلغ مجموع عدد الغزوات 27 غزوة استغرقت 435 يوما، ومجموع عدد السرايا 77 سرية استغرقت 350 يوما، أُريق في جميع هذه الغزوات والسرايا التي بعثها النبي صلى الله عليه وسلم أقل دمٍ عرِف في تاريخ الحروب والغزوات فلم يتجاوز عدد القتلى 1018 قتيلا من الفريقين، وكانت حاقنة لدماء لا يعلم عددها إلا الله، وموفرة على المجتمع البشري قدرًا كبيرًا من الوقت والجهد في تغيير الأحوال والأنظمة الفاسدة التي كانت منتشرة إذ ذاك ودرء الأخطار التي كانت تهدد النوع الإنساني بأكمله.
وبالنسبة إلى نجاح العمليات وسرعتها فقد استمر التوسع بنسبة 274 ميلا مربعًا للعام، ولم يخسر المسلمون فيها إلا بنسبة شخص واحد في الشهر وكانت أقصى خسائر الأعداء في النفوس 150 شخصًا للمعركة؛ فلما اكتملت السنوات العشر خضع أكثر من مليون ميل مربع للحكم الإسلامي الحنيف.
يأتي السر في تميز هذه العمليات الحربية كونها خاضعة لآداب خلقية وتعليمات رحيمة جعلتها أشبه بعملية التأديب منها بعملية التعذيب، وبهذه الروح الواعية لمبادئ الرحمة والإنسانية والمحققة لها في حياة الناس انطلق قادة الفتوح الإسلامية فمع مواجهتهم لأقوام استعبدوا الناس بالباطل، وطغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد ، كان تطبيقهم العملي في ميادين الجهاد محافظًا لأرقى وأنبل الأخلاق في التعامل مع الأعداء والشنْآن، ولا عجب فالتوجيه القرآني في هذا السياق كان واضحا وصريحا حيث لم يستثن أحدا من الحق في العدل والمعاملة بإنصاف حتى العدو المباغض؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]، ونستطيع أن نقدم دليلًا على ذلك من واقع التاريخ الإسلامي ومن تطبيقات الخلفاء الراشدين وهم خير سلف هذه الأمة وأصفاهم فهمًا لحقيقة ما قرره الإسلام من مبادئ.
ميثاق الجهاد والفتوحات عند المسلمين:
ــــــــــــــــــــــــ لقد جاء الإسلام رحمة للبشرية جمعاء فلم يشرع الجهاد إلا لنشر الخير وردع الشر ولذلك في الوقت الذي كان أعداء الإسلام يستبيحون فيه ديار المسلمين ودماءهم وأموالهم ونساءهم، وضع الإسلام قواعد للجهاد أرسى مبادئها النبي صلى الله عليه وسلم وسار عليها المسلمون من بعده ويتجسد هذا الميثاق العظيم في وصية الصديق التي أوصى بها يزيد بن أبي سفيان أحد قادة الجيوش المتجهة للشام ويضمن الميثاق عشرة مبادئ حيث قال أبوبكر: يايزيد إني موصيك بعشر:
"لا تقتلن امرأة، ولا صبيا، ولا كبيرا هرماً، ولا تقطعن شجراً مثمراً ، ولا تخربن عامرا، ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة، ولا تحرقن نخلا، ولا تغرقنه، ولا تغلل، ولا تجبن. "هكذا كان يجاهد المسلمون وبهذه الرحمة انتشرت دعوتهم في آفاق العالمين ولنذهب للنماذج العملية.
محمد صلى الله عليه وسلم:
ـــــــــــــــــــ نبدأ بالفاتح الأعظم محمد بن عبد الله الذي تعرض لشتى أنواع الظلم والاضطهاد من قومه حتى انتهى به الحال لأن يترك ماله وداره ويخرج هو وأصحابه مهاجراً ومُطارداً ليعود بعد إحدى وعشرين سنة على رأس عشرة آلاف ويدخل مكة وتستسلم له قريش التي أذاقته الويلات من قبل وتقف تحت أقدامه على باب الكعبة تنتظر العقاب والانتقام فيبادرهم النبي ماذا تظنون أني فاعل بكم فيقولون خيراً أخ كريم وابن أخ كريم فينظر إليهم النبي وقد تناسى كل ما فعلوه معه ويقول لهم كما قال يوسف عليه السلام ''لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطلقاء".
صفات جيش الفتوحات الاسلامية جند الفتوحات الإسلامية وقادتهم دعاة
جيش الفتوحات الإسلامية داعية بسلوك قادته، وأفراده، وعلمائه، في أقوالهم وأعمالهم. تدفعهم العقيدة للجهاد، والرغبة في إنقاذ الأمم والأفراد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. وقد تميزوا بالتمسك بالعقيدة، والتزموا بأحكام دينهم. فكان الخلفاء والقادة يوصون جندهم بالاستعانة بالله، والتقوى، وإيثار أمر الآخرة على الدنيا، والإخلاص في الجهاد، وإرادة الله في العمل، والابتعاد عن الذنوب .
فكان عمل القادة والجند تبليغ الدعوة، وتميزت مواقفهم بأنها أنبل المواقف التي عرفها التاريخ العالمي.
فكان القادة على رأس جندهم، يتلقون الصدمات الأولى في معارك الجهاد، فاستشهد كثير منهم مثل: المثنى بن حارثة الشيباني، وأبو عبيد الثقفي الذي اندفع لنيل الشهادة مع أولاده الأربعة يوم الجسر مع سبعة من قادة المسلمين، وعكرمة بن أبي جهل، وضرار بن الأزور، والنعمان بن مقرن رضي الله عنهم جميعاً.
والقادة الذين ضربوا أروع أمثلة الجهاد في سبيل الله كثير عددهم مثل:
أبو عبيدة بن الجراح- أمين الأمة- وشرحبيل بن حسنة، ومعاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان، وعمرو بن العاص، والزبير بن العوام، والقعقاع بن عمرو التميمي، وعاصم بن عمرو التميمي، ويزيد بن أبي سفيان، وعياض بن غنم، وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص –المعروف بالمرقال، وسعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان، والأحنف بن قيس، وعبد الله بن عامر وغيرهم كثير رضي الله عنهم جميعاً من القادة الذين أنجبتهم مدرسة الإسلام، وربوا على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو صحابته. فضربوا أعظم الأمثلة في النبل، والشجاعة، والوقار، والتقوى، فكان أثرهم كبيرًا في عوامل النصر، وفي تبليغ الدعوة في البلاد المفتوحة.
عمر بن عبدالعزيز ووفد سمرقند:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لما تولى عمر بن عبد العزِيزِ الخلافة وفد عَلَيْهِ قوم من أهل سمرقند فرفعوا إليه أن قتيبة دخل مدينتهم وأسكنها المسلمين عَلَى غدر ودون أن يلتزم بضوابط الحرب التي وضعها المسلمون، فكتب عُمَر إِلَى عامله يأمره أن ينصب لهم قاضيا ينظر فيما ذكروا، فإن قضى بإخراج المسلمين أخرجوا، فنصب لهم جميع بْن حاضر الباجي فحكم بإخراج المسلمين عَلَى أن ينابذوهم عَلَى سواء، حتى يكون أهل سمرقند على استعداد لقتال المسلمين فلما رأى أهل سمرقند هذا العدل وهذه الرحمة قالوا إن هذه أمة لا تُحارب فدخلوا في الإسلام ، وأقروا المسلمين، فأقاموا بَيْنَ أظهرهم.
محمد الفاتح والقسطنطينية:
ــــــــــــــــــــــــــ لما دخل المسلمون القسطنطينية ذهب السلطان محمد الفاتح إلى كنيسة أيا صوفيا التي تجمع فيها النصارى فزعين مرعوبين فأحسن استقبالهم وأمنهم على أرواحهم وسمح لهم بالعودة إلى منازلهم، وترك لهم الحرية في انتخاب البطريرك الخاص بهم، ولما انتخبوه ثبته السلطان، وسلمه عصا البطاركة، وألبسه الخاتم وأعطاه فرسا خاص به وعين له حرساً من جيش الانكشارية حتى صرح البطريرك عند ذلك بقوله: إني أخجل مما لقيته من التبجيل والحفاوة، الأمر الذي لم يفعله ملوك النصارى مع أسلافي
التعلق بالله والثقة بنصر الله
------------------------- وكان من السنة التي سن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد معركة بدر الكبرى عام 2 هـ- أولى معارك الإسلام الحاسمة- أن تقرأ سوره الجهاد عند اللقاء، وهي سورة الأنفال ليبقى تعلق الجند بالله، والثقة بنصر الله.
ولما فتح خالد بن الوليد الحيرة عام 12 هـ صلى صلاة الفتح ثماني ركعات لا يسلم فيهن وبعد معركة الفراض عام 12 هـ مع الفرس والعرب المتنصرة في العراق- وكانت من أشد معارك الأيام- وعودة الجند الإسلامي إلى الحيرة أمر خالد بن الوليد عاصم بن عمرو التميمي أن يسير بالجيش، وأظهر أنه في الساقة، وأدى فريضة الحج، شاكراً أنعم الله سبحانه. وكانت غيبته عن الجيش يسيرة، فما توافى آخر الجيش إلى الحيرة، حتى وافاهم مع صاحب الساقة الذي وضعه، فقدما ولم يدرِ أحد بذلك، وكذلك لم يعلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلا بعد، فغضب عليه، وأمره ألاّ يعود لما فعل .
ولما افتتح سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه المدائن- عاصمة الفرس- دخل إيوان كسرى، وصلى صلاة الفتح ثماني ركعات بتسليمة واحدة . وقرأ:
{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ} [الدخان: 25 -28].
ولما افتتح عبد الله بن عامر خراسان عام 31 هـ أحرم من نيسابور وأدى فريضة الحج شكراً لله سبحانه وتعالى وقد لامه عثمان رضي الله عنه على ذلك.
وكان هؤلاء القادة يسيرون خلف جندهم في وقت الأمن والعودة، يرفقون بهم، ويحملون الكلّ ويعينون الضعيف.
واقرأ ما قاله رسل "المقوقس" إلى عمرو بن العاص بعد أن لبثوا يومين في جيش المسلمين- بعد أن عادوا إليه: "رأينا قوماً، الموت أحبّ إليهم من الحياة، والتواضع أحبّ إليهم من الرفعة، ليس لأحد منهم في الدنيا رغبة ولا نهمة، جلوسهم على التراب، وأميرهم كواحد منهم، ما يُعرف كبيرهم من وضيعهم، ولا السيد فيهم من العبد، وإذا حضرت الصلاة لم يتخلف عنها أحد، يغسلون أطرافهم بالماء، ويخشعون في صلاتهم" .
قالوا في قادة الاسلام
ــــــــــــــــــ
قالت إيفيلين كوبلد:
ــــــــــــــــــ لما استرجع صلاح الدين بيت المقدس بعد معارك عديدة، وطرد الصليبيين من البلاد؛ أظهر في حروبه ومعاركه كل ألوان الرفق والرحمة والعفو عند المقدرة، وأبى أن يُعامل المغلوبين إلا بالحسنى والرفق، ورفض الانتقام من الذين أساءوا، وأحرقوا، ودمّروا، وزاد إحسانًا؛ فَسمح لجميع المسيحيين بمغادرة المدينة تحت رعاية رجاله ومحافظة قُوّاده، وقد حفظ له كثير من كُتَّاب الغرب هذه الصفات، ولم يتأخروا عن المجاهرة بها، والإقرار بأنه كان أشرف الأعداء، وأطهر الفاتحين». (البحث عن الله).
قال توماس أرنولد:
ـــــــــــــــــــ لم نسمع عن أية محاولة مدبرة لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام، أو عن أي اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدِّين المسيحي، بل إن مجرد بقاء هذه الكنائس حتى الآن ليحمل في طياته الدَّليل القوي على ما كانت عليه سياسة الحكومات الإسلامية بوجه عام من تسامح نحوهم». (الدعوة للإسلام).
يقول أحمد سوسة أحد الرجال اليهود الذين أعلنوا إسلامهم:
ـــــــــــــــــــــــ «يُستحسن بأتباع موسى وعيسى أن يُراجعوا التاريخ الإسلامي؛ ليقفوا على ما يأمر به الإسلام بشأن الرفق بالأطفال والشيوخ والنساء وغير المقاتلين بصورة عامة، ويُثبت لنا التاريخ أن المسلمين صاروا وفق شريعتهم القاضية بوجوب عدم المساس بالأطفال والشيوخ والنساء بكل أمانة وحرص حتى في الظروف التي كان العدو المقابل يقتل الأطفال والنساء وغير المحاربين». (في طريقي إلى الإسلام).
وقد وصفهم أعداؤهم بأنهم:
--------------------
"رهبان في الليل، فرسان النهار، لو حدثك جليسك حديثاً ما فهمته، لما عَلاَ من أصواتهم بالقرآن والذكر، يصومون النهار، ويقومون الليل، ويوفون بالعهد، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويتناصحون بينهم، يعفّون عن المغانم، ولا يستحلًونها إلاّ محلّها" .
وهذه الصفات التي تمتع بها القادة والجند استهوت أهل البلاد المفتوحة، وكانت من أهم أسباب تسارع الناس إلى اعتناق الإسلام.
هكذا كانت أخلاق الفاتحين المسلمين منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وحتى سقوط دولة الخلافة حاولت أن أوضحها لكم عبر بعض النماذج واترك لكم الآن بعض من شهادات غير المسلمين والمستشرقين وبعض الذين دخلوا في الإسلام مؤخراً لتعرفوا أن الإسلام دين الإنسانية والرحمة وأن الفاتحين ما كانوا يوماً سافكي دماء، بل كانوا دعاة خير وعدل ورحمة.
اقرأوا هذه الأخبار وهذه الشهادات ثم قارنوا بينها وبين أخلاق غير المسلمين وانظروا ماذا فعل الصليبيون في حروبهم الصليبية وكم قتلوا من ملايين البشر دون تفرقة بين رجل وامرأة شيخ وطفل محارب ومسالم وراجعوا أيضاً لما فعله نصارى الأندلس بثلاثة ملايين مسلم في محاكم التفتيش وكذلك ما فعله المغول في بغداد والشام وما فعله اليهود منذ قيام كيانهم على أرض فلسطين راجعوا كل هذه الجرائم التي فعلها غير المسلمين بحق البشرية، لتدركوا أن الفتوحات الإسلامية كانت فتوحات خير وعدل وأن الفاتحين المسلمين تجسدت فيهم أسمى معاني الرفق والرقي والرحمة
" د. صالح العطوان الحيالي"
الثلاثاء، 25 سبتمبر 2018
جيش الفتوحات الإسلامية بقلم د.صالح العطوان الحيالي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق