الجمعة، 2 نوفمبر 2018

صفر جريمة الشاعر عمر بنحيدي

قصة قصيرة                         صفر جريمة
    في صباح اليوم الاول للسنة  الميلادية الجديدة إلتقى صديقان وجرى الحوار التالي بينهما:_« سنة سعيدة ،صديقي ». فرد عليه مندهشا من برود أعصابه:« يظهر انها سنة فريدة وليست سعيدة ». لم يصدق اذنيه ،فلاول مرة سيكلمه بهذه الطريقة .:« ما هذا الكلام ،؟ ارفع المستوى قليلا» .ودون ان يهتم بملاحظته واصل:« أين قضيت راس السنة الميلادية؟» .رمقه بنظرة استغراب ، ولكنه تحامل على نفسه  واجاب:« كنت أغط في النوم  » .واستنتج محاوره :« اذن انت لم تعلم بما وقع ؟» كبرت حيرته وفغر فاه :« ماذا وقع ؟،قل » وبهدوء تام :« المشكل انه لم يقع أي شيء». وبعصبية ظاهرة سأله :« هل عندك ارتجاج في المخ؟ وقع لا لم يقع»._:« إهدأ يا صديقي ! إهدا ! فانا لا اتلاعب بك ،وإنما أنا جدي ،فليلة راس السنة ،مرت بسلام ،انتظر ،سأشرح لك ،المعتاد خلال أعياد رأس السنة الميلادية ،تقع حوادث،من شجار،اعتداء، قتل ، السكر العلني ،حوادث السير ووو». اكتفى الأخر بهز راسه مزكيا كلامه .بعدها اكمل الآخر:« ولكن ليلة البارحة مرت بدون اي شيء.......» فكأنما شحذت همة الصديق ،فقاطعه :« ولكن منذ أسبوع ونحن نتابع على الشاشة استعدادات الجهاز الامني  لهذه الليلة بالذات»  ._:« ولكنه وقع في الفخ ». كيف؟ إحك،
    ‏توزعت الدوريات وفق خطة محكمة ،فهناك الدوريات المتحركة  بكل أنواعها واخرى رابضة امام الفنادق الفخمة والحانات  والقنصليات ووو وهناك مجموعات اخرى تنتظر بالمخافر ضبط واحضار المجرمين.وقد طال انتظار هؤلاء ،رغم مرور منتصف الليل ،لم تصل ولا سيارة واحدة لتودع الموقوفين، اتصلوا بالمكلفين بالمراقبة عن بعد عبر الكاميرات ،فاخبروهم ان الشوارع فارغة والامور هادئة.ثم اتصلوا بالدوريات المتحركةوكان جوابهم ان الازقة والشوارع ،لايوجد بها إلا القطط،فحتى المناطق المصنفة بالبؤر هادئةبشكل مريب،.استفسروا  الدوريات المرابضة .وكان نفس الجواب :« لا شيء».  ‏حتى عمال إحدى الحانات  اتصل بمالكها يخبره بما يجري ،وكان لتوه قد عاد من صلاة العشاء،لم يصدق حرفا واحدا .وعلى جناح السرعة جاء ليتاكد بنفسه.:« ألا يكون مالك الحانة المقابلة قد استأجر أحد السحرة ليجلب الزبائن إلى حانته ؟ . قرر ان يتاكد  من ذلك ،لكنه صدم حين وجده هو الآخر يذرع  القاعة جيئة وذهابا.
   كان الصمت سيد  كل المخافر ، كل الشرط  واجمون  ،يتساءلون كيف سيحلون هذا اللغز .  ‏وفي الجهة الاعلى ،طال انتظار السيد العامل ،إذ كان من الواجب ان يتوصل بتقرير حول مايجري ،فاتصل بالعميد الرئيسي للمدينة يستفسره عن الوضعية .:« احتراماتي سيدي ،الوضعية هادئة سيدي.. العدد ؟ صفر مجرم وصفر جريمة،و..» لكن السيد العامل قاطعه:« السيد العميد الرئيسي،احترم نفسك وإلا اوقفتك عن الخدمة .» واصل السيد العميد المركزي :« إحتراماتي سيدي. انا جدي سيدي، يمكنكم التأكد من مصدر آخر "» .في التو واللحظة اتصل السيد العامل بعمداء اخرين ،وكلهم اكدوا له نفس الجواب السابق،مما اضطره إلى النزول إلى الميدان للتأكد بنفسه من الامر .
    ‏ جمع العمداء لمناقشة الامر:« السادة العمداء بمختلف درجاتكم ،اشرحوا  لي ماذا يجري ؟ يظهر ان هناك اياد خفية وراء هذا ،فلا يعقل ان تمر ليلة راس السنة  بيضاء ،بدون جريمة ولا مجرمين بل ولا حتى سكارى ومعربدين. من منكم يمكنه أن يجيبني على هذا السؤال الجوهري :  ما هو دورنا في المجتمع ؟ ».رفع احد العمداء يده يستأذن في الكلام .:« تفضل سيادة العميد .»  وقف هذا الأخير ،تأمله السيد  العامل وابتسم رغم ان الظرف لا يحتمل ذلك .:« احتراماتي السيد العامل،احتراماتي السادة العمداء ، دورنا في المجتمع سيدي هو حماية المواطنين من المجرمين .و   اسمحوا لي تفسير هذا اللغز هو اننا ربما أخطأنا..»  كانت الكلمة مستفزة فازداد انتباه الكل لما سيقوله بعد ذلك :« الليلة هي ليلة السنة الهجرية  وليست الميلاديةو...» وقبل ان يواصل، أوقفته زوبعة من الضحك .التفت يمينا وشمالا ووجد الجميع يضحك ،  و بحركة من يده ،أمره رئيسه بالجلوس:«لا لا سيادة العميد تذكر  أننا احتفلنا بها منذحوالي اربعة أشهر..وقلت ان دورنا هو إلقاء القبض على المجرمين ،ولكن بما انه ليس هناك اي واحد منهم فليس لدينا اي دور. ولا أهمية .اسمعوني لا اريد تقصيرا وكل من تبث في حقه سيعاقب  حسب القانون الجاري به العمل. اتصلوا بدورياتكم  وألزموهم بالبحث عن الجريمة قبل ان ينبلج الصباح لا تتركوا غسيلنا بين أيدي الصحافيين، فسيفضحوننا ،آه ! لا تنسوا فهذا سر مهني .إياكم  أن ترسلوا تقريرا يبوؤنا في المراتب المتأخرة للجريمة ،فقد كنا نحن والحمد لله نتصدر القائمة.»
    ‏إنفض الجمع والغموض حصان جامح في عقولهم.لا احد توصل إلى فكرة ما .أطقم الصحافة تتوافد على المخافر لإستطلاع الامر . الجميع لاحظ اختلافا في التعامل ،وبدأت الافتراضات ،ولكن غياب الادلة جعلها تبقى مجرد افتراضات.
    ‏تربعت الشمس كبد السماء،وجهاز الامن لازال يمشط الازقة والدروب بحثا عن جريمة او مجرم متلبس اقترح أحدهم استخراج لائحة ذوي السوابق ولكنهم لم يقبضوا على اي واحد لانهم كانوا في حالة طبيعية مع اسرهم .
وبما ان مثل هذه الاخبار لا يمكن إخفاؤها طويلا ،فلم تكد تمر حوالي ستة اشهر حتى دخل السيد الوزير على الخط .استدعى السادة عمال مختلف المدن والاقاليم ورسم لهم صورة قاتمة  عن المستقبل :« من كان يصدق ان تتحول مدينة ،كنا ننعتها بالغول،لشساعتها ان تتحول إلى حمل وديع  .ومن سيكون وراء هذه المصيبة؟ تصوروا معي لا قدر الله انتقال  العدوى إلى مناطق أخرى من البلاد .ارزاق كثيرة ستقطع.ما الفائدة من جهاز يتكون من الاف الافراد . وهذا سيؤثر على مستقبل عائلاتكم .من ناحية اخرى هناك اقتصاد هذه المدينة الذي سيتضرر كثيرا ،الاطباء لن يشتغلوا ،الصيدليات ستغلق ابوابها وماسيترتب على ذلك من امور ستظهر في حينها..
    ‏الحل هو يجب ان نمد يد المساعدة لهذه المدينة المنكوبة .كيف؟ المسالة بسيطة ،عليكم بتصدير بعض ذوي السوابق  وإطلاق سراحهم ، وهكذا سيعيثون فسادا في البلاد والعباد...».
    ‏في اليوم الموالي بدأت الشحنات المحملة بذوي السوابق  تصل .لكن صدمة جهاز الامن ستكون مدوية : بمجرد. أن لامست  أقدامهم أرض المدينة تحولوا ألى طيبين ،وتغير سلوكهم الى  أقصى درجة . استنتج المسؤولون ان الامر قد يخرج عن السيطرة ،خاصة إذا استشرت العدوى بين مختلف مناطق البلاد، فأعلنوا  حالة الحجر الصحي ،مدعين ان سكان هذه المدينة  قد أصابهم مرض معد ومجهول إلى حد الآن ،لهذا ممنوع علي اي واحد مغادرتها  إلا برخصة من السلطات.. لكن اليوم ومع وسائل الاتصال كل المحاولات باءت بالفشل ،فالمناطق الأخرى باتت مرتعا لهذا الداء  وصارت تسقط الواحدة تلو الاخرى ،إلى ان دانت البلاد كلها  لمرض العزوف عن الجريمة،
    ‏تقلصت ميزانية الاجهزة الامنية الى اكثر من النصف وتحولت السجون الى مدارس ومستشفيات .صار الناس يتنزهون ليلا، وينامون وابواب البيوت مفتوحة . وصار رجال الامن  يحنون إلى ايام الزمن الجميل .
    ‏البلدان المجاورة ترتعد خوفا من ان تنقل إليها الرياح بذور هذا الداء   .
انتهت .
عمر بنحيدي. 30/10/2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق