الخميس، 22 نوفمبر 2018

الإسلام دين السلام والتسامح والعدل بقلم د.صالح العطوان الحيالي

الاسلام دين السلام والتسامح والعدل
ـــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق- 17-11-2018
الإسلام هو دين التسامح والعزة والعدل والإنصاف، قال تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين»، فأمر الله عز وجل بالقسط مع غير المسلمين المسالمين، ومن هنا يظهر لنا التسامح، وأنه دين يجمع الناس، وليس دين التخريب والفساد كما يفعل البعض تحت مسمى الإسلام، وكما جاء في الحديث الشريف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يُحرم الرفق يحرم الخير» و«إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه»، وحتى في الجدال مع المخالف.
إن ديننا الإسلامي هو دين التسامح والمحبة والسلام. وهو عقيدة قوية تضم جميع الفضائل الاجتماعية والمحاسن الإنسانية، والسلام مبدأ من المبادئ التي عمق الإسلام جذورها في نفوس المسلمين، وأصبحت جزءاً من كيانهم، وهو غاية الإسلام في الأرض.
الإسلام والسلام يجتمعان في توفير السكينة والطمأنينة ولا غرابة في أن كلمة الاسلام تجمع نفس حروف السلم والسلام، وذلك يعكس تناسب المبدأ والمنهج والحكم والموضوع وقد جعل الله السلام تحية المسلم، بحيث لا ينبغي أن يتكلم الإنسان المسلم مع آخر قبل أن يبدأ بكلمة السلام، حيث قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «السلام قبل الكلام» وسبب ذلك أن السلام أمان ولا كلام إلا بعد الأمان وهو اسم من أسماء الله الحسنى.
مما لا شك فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء سلاماً ورحمةً للبشرية ولإنقاذها وإخراجها من الظلمات الى النور حتى يصل الناس جميعاً إلى أعلى مراتب الأخلاق الإنسانية في كل تعاملاتهم في الحياة.
ومن المعروف أن العالم بأسره وخاصة العرب قد شهد حروبا كثيرة في زمن نشأة الرسول وقبل بعثته، فكانت القبائل العربية تتقاتل فيما بينها أو مع القبائل الأخرى بسبب أو بدون سبب، وقد جاء الاسلام الحنيف ليخرج الناس من هذه الحياة السيئة والصعبة وينقلهم الى حيث الأمن والامان والسكينة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصا على إبعاد الناس تماما عن الحروب وعن كل ما يؤدي إليها، وكان صلى الله عليه وسلم ايضاً يبحث دائما عن الطرق السلمية والهادئة للتعامل مع المخالفين له.
إقرار السلام لا يعني انتفاء الحرب تماماً، بل إن الحرب وضعت في الشريعة لإقرار السلام وحمايته من المعتدين عليه، وقد أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين المؤمنين بأن يقاتلوا في سبيله، والله هو السلام، وأمرهم بأن يقاتلوا المعتدين وينصروا المعتدى عليهم الآمنين المسالمين.
إن السلام بمفهومه السلمي هو أمنية ورغبة أكيدة يتمناها كل إنسان يعيش على هذه الارض، فالسلام يشمل أمور المسلمين في جميع مناحي الحياة ويشمل الأفراد والمجتمعات والشعوب والقبائل، فإن وجد السلام انتفت الحروب والضغائن بين الناس، وعمت الراحة والطمأنينة والحريّة والمحبة والمودة بين الشعوب.
وفي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة عدة قواعد وأحكام ينبني عليها مفهوم السلام، مما يشكل للمسلمين قانوناً دولياً يسيرون عليه، وهذه القوانين والشروط الواجب توفرها حتى يتحقق السلام تظهر في المساواة بين الشعوب بعضها البعض، فالإسلام يُقرِّر أنَّ الناسَ، بغض النظر عن اختلاف معتقداتهم وألوانهم وألسنتهم ينتمون إلى أصلٍ واحدٍ، فهم إخوة في الإنسانية، ومنه قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكم لآدمَ، وآدم من ترابٍ، لا فضلَ لعربيٍّ على أَعْجَمِيٍّ إلا بالتقوى».
كما أن الوفاء بالعهود، ومنع العدوان، وإيثار السلم على الحرب الا للضرورة وإقامة العدل والانصاف، ودفع الظلم، من القواعد الأساسية لتحقيق السلام بين الشعوب والمجتمعات، فلا يعتدي أحدٌ على حق أحدٍ، ولا يظلم أحدٌ أحدًا، فالإسلام يسعى دائما الى استقرار الأمة الاسلامية، كما يستعى الى استقرار علاقات المسلمين بالأمم الاخرى.
ان أثر الإسلام في تحقيق السلام العالمي يتجلى في تعزيز التعايش السلمي وإشاعة التراحم بين الناس ونبذ العنف والتطرف بكل صوره ومظاهره، وكذلك في نشر ثقافة الحوار الهادف بين أتباع الأديان والثقافات لمواجهة المشكلات وتحقيق السلام بين مكونات المجتمعات الإنسانية وتعزيز جهود المؤسسات الدينية والثقافية في ذلك.
إن للسلام العالمي شأناً عظيماً في الاسلام، فما كان أمراً شخصياً ولا هدفاً قومياً او وطنياً بل كان عالميا وشموليا، فالسلام هو الأصل الذي يجب أن يسود العلاقات بين الناس جميعاً، فالمولى عز وجل عندما خلق البشر لم يخلقهم ليتعادوا أو يتناحروا ويستعبد بعضهم بعضاً، وإنما خلقهم ليتعارفوا ويتآلفوا ويعين بعضهم بعضا، فالإسلام يدعو الى استقرار المسلمين واستقرار غيرهم ممن يعيشون على هذه الارض، ويكشف لنا التاريخ أن جميع الحضارات كانت تواقة من أجل تحقيق السلام العالمي.
السلام ضرورة حضارية طرحها الإسلام منذ قرون عديدة من الزمن باعتباره ضرورة لكل مناحي الحياة البشرية ابتداء من الفرد وانتهاءً بالعالم أجمع فبه يتأسس ويتطور المجتمع.
وقد حان الوقت لنقف على عتبات المجتمع الدولي ونقود أجيالنا إلى لغة الحوار ونصرخ بصوت عال لا للحروب لا للإرهاب لا للقتل لا للدمار ولا للعنف.
إن ديننا الحنيف يدعو إلى الصفح الجميل، والعفو عند المقدرة، والمعاملة الحسنة، والحفاظ على حقوق الغير، كما قال تعالى: «ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم»، وأمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يدعو إلى التواضع والرفق وخفض الجناح، فقال تعالى: «واخفض جناحك للمؤمنين»، وهذا ليس فقط مع الإنسان، بل حتى مع الحيوان كما جاء في الحديث «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته».
فهذا دين الله يا سادة، هذا دين التسامح ولو كره المجرمون، الدين الذي يحاول البعض أن يشوهه ولكن هيهات هيهات، فالله خيرٌ حافظاً لدينه.
التسامح
ــــــــــ التّسامح بعث الله سبحانه وتعالى نبيّه محمّد عليه الصّلاة والسّلام في مكّة ليدعو النّاس إلى الإيمان برسالته الخاتمة، وقد تعرّض النّبي ومن آمن معه إلى شتّى صنوف العذاب واضطهدوا سنوات، وحوصروا في شعاب مكّة حتّى شاء الله أن يمكّن أمر هذا الدّين وتعلوا رايته. قد كان الفتح الأوّل للمسلمين حينما دخلوا مكّة فاتحين ليقف النّبي الكريم على رؤوس صناديد كفّار قريش وزعمائها الذين ساموا المسلمين من قبل سوء العذاب ويقول لهم بلسان المتسامح، ماذا تظنون أنّي فاعل بكم ؟ قالوا: أخٌ كريم وابن أخ كريم، فقال : اذهبوا فأنتم الطّلقاء، وقد كانت هذه الكلمة حقيقةً أوّل معولٍ للتّسامح يطرق على مسامع الظّالمين لتؤذن عقيدة التّسامح بعد ذلك بتأسيس الدّولة الإسلاميّة الأولى على أسس التّسامح والعفو بين المسلمين أنفسهم وبينهم وبين غيرهم. حرص النّبي الكريم على توطيد العلاقات بين المسلمين وسكّان المدينة من اليهود في المدينة المنوّرة، وعلى الرّغم من علم النّبي بكيد اليهود ومكرهم إلا أنّه أسّسّ تعامله معهم على قاعدة التّسامح، وإن استثنى من تلك القاعدة مواقف اتخذ فيها الحزم عندما غدر اليهود بالمسلمين وحاولوا قتل النّبي الكريم. التّسامح منهج الإسلام على مرّ العصور إنّ المتأمّل في آيات القرآن الكريم وأحاديث السّنّة النّبويّة المطهّرة ليدرك حقيقة سماحة الدّين في كلّ مظاهره، فالمسلم مأمورٌ بالتّعامل مع غيره والإحسان لهم والقسط والعدل في التّعامل معهم ماداموا سلميّين في تعاملهم لا يظهروا العداوة والبغضاء للمسلمين. كما أنّ المسلم في تعامله مع المسلمين مأمورٌ بأن يكون سمحًا في بيعه وشرائه، وفي عفوه عمّن أساء إليه، وفي صفحه عمّن ظلمه، وقد مثل تاريخ الإسلام عبر مراحله المختلفة أروع صور التّسامح، فعندما حرّر صلاح الدين الأيوبي فلسطين عامل أهلها بالحسنى والتّسامح على الرّغم من أنّ الصّليبيّين عندما دخلوا القدس قتلوا الآلاف من المسلمين بسيوف الحقد والغدر الأعمى
دليل قوة
ـــــــــــــــ يخطئ من يعتقد أن التسامح دليل على ضعف صاحبه وعجزه، بل هو رفعة لصاحبه وعزٌّ لأهله، كما جاء في الحديث: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»، والحديث الآخر «ما زاد الله رجلاً بعفو إلا عزاً». وها هو يعقوب عليه السلام عندما طلب منه أبناؤه أن يسامحهم ويستغفر لهم، ما دعا عليهم وما عنفهم أو زجرهم، ولكن عاملهم بخلق العفو والصفح الجميل، لأن التسامح يهتم بجمع كلمة الناس قبل النظر إلى المصلحة الشخصية، ولا يمكن أن يتحقق الاعتصام والاجتماع الذي أمر الله به، دون تطبيق واتباع أسباب الاعتصام، ومن أعظم أسبابه التسامح.
كما أن التسامح خلق الكبار، وعادة الأوفياء، ومنهج أصحاب الهمم، علينا أن نترجمه إلى واقع في حياتنا اليومية، وأن نفهم مقصده الديني، وهو التآلف والتماسك وأن نكون كالبنيان المرصوص، الذي يزيدنا قوة واستقراراً سواء كان من جانب نفسي أو اجتماعي.
هذا المبدأ الإسلامي الإنساني هو الحصن الحصين الذي سيقينا ذوي الأطماع الذين يبحثون عن الخراب والدمار ويعيثون في الأرض الفساد، فالمجتمع المتسامح يقبل الآخر، ويتكاتف معه للبناء والعطاء، ويؤمن بأن الله عز وجل إنما أمر الناس بأن يتعارفوا لا أن يتخالفوا وكما قال عز وجل: ( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير).
ولذلك كان التسامح منهج الأقوياء، وليس دأب الضعفاء، فهم أقوياء بالصفح والغفران ولا تضيق صدورهم بتقبل المخالف ولنتذكر قول الله عز وجل: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين).
وبما أننا في سياق التسامح في الإسلام، فإننا نؤكد على أهمية نشر الإسلام الصحيح للغير، وإظهار عظمة هذا الدين في تسامحه وحثه على الأخلاقيات السمحة، وتأكيد مبدأ السلام ونبذ الكراهية والتفرقة وترويع الناس والتسبب في إضاعة حقوقهم، فكل ذلك مخالف لسماحة الإسلام وأصوله ومقاصده، «إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق