صباح القتل ...
قصة : مصطفى الحاج حسين .
يغلق الباب خلفه ، يدلف إلى الشّارع المعتم ،
تصفعهُ حبّات المطر ، تخترقُ صدره سهام الرّياح ،
يزرّ سترتهِ ، لا وقتَ لديهِ ليحضر المظلّة ، تتضاعفُ
نقمته على امرأتهِ، يسارعُ الخطا محاولاً الاحتماءَ
بالشّرفاتِ ، الشّارعُ طويلٌ ، وعليهِ أن يسرعَ ،
يهرولَ ، يغوصَ في المستنقعاتِ ... لا يعبأ بالوحّل .
- (( لن أسامحك يا يا "فاطمة " ... لا تهتمينَ
بإيقاظي رغم وجود المنبّه )) .
لهاثهُ وانفعاله يحدّانِ من قسوةِ البردِ ، لكنّ المطرَ
الشّرسَ منهمكٌ بإغراقهِ :
- (( سيذبحني الجّوع .. ولم تحضّر لي الزّوادة )) .
تتغلغل حبّات المطر إلى يباسِ عمرهِ ، تنسابُ
كأفعى تلدغهُ بوحشيّةٍ :
- (( مطمئنة ... تعودينَ إلى نومكِ ، حيثُ لاأضايقكِ
برغبتي الّتي تتذمّرينَ منها )) .
يجتازُ الأبنية ، لهاثهُ يشتدّ ، بضراوةٍ يدقّ قلبه ،
يباغتهُ السّعال ، يبصقُ ، ينمو بداخلهِ حقدٍ على
السّائقِ الذي يأبى دخول الشّارع .
في مكانهِ المعهود يتوقّف ، بانتظارِ الحافلةِ ،
نفسه تطمئن ، لا بأس ، بإمكانه التقاط أنفاسه ،
يداهمه السّعال :
- (( تعرفينَ نذالةَ السّائق .. لا ينتظر العمّال دقيقة
واحدة )) .
يتلفّتُ ، مثانتهُ تنذر بالإنفجارِ ، والطّريق إلى
المشروعِ وعرٍ وطويلٍ :
- (( لمَ تتمنّعينَ يا"فاطمة" ماحيلتي ؟! .)) .
ينظر في ساعته ، تأخر السّائق ، لاأحديحاسبه ،
شكاوى عديدة قدّمت بحقه، والمدير يقبل أعذاره ..
هكذا حال المسنود :
- (( أنا مثلكِ تألّمت يا " فاطمة " .. الحرمان دفع
أبننا إلى سرقةِ البرتقالة )) .
الشّمس ترفل بقيودها خلفَ الغيوم الدّاكنة ،
يتناهى إلى أذنيهِ المتجمّدتينِ هدير سيّارة ، يشقُّ
أجفان الصّباح ، يحملقُ بقوّةٍ ، الأضواء تمنع عنه
الرؤية ، تتّجه نحو ارتعاشهِ بجنونٍ ورعونةٍ ..
يتراجعُ ، تقفزُ خلاياه ، صرخاتُ الذّعر تتفجّرُ في
حدقتيهِ ، تهاجمُ السّيارة المتوحّشة الرّصيف
بشراسةٍ ، تصعد نحوه بحقدٍ ، تطالهُ بصدمةٍ مميتة ،
لا تسمحَ له بالانتفاض .
يترجّل الفتى ، يرمقُ الجّثة بحنقٍ ، يبصقُ عليها
باحتقارٍ ، يركلها بحذائهِ اللامع ، ثمّ يطلقُ لساقيهِ
عنان الإبتعاد ، محتمياً بمكانةِ أبيهِ السّاطعة أكثر
من سطوعِ شمس هذا الصّباح .
مصطفى الحاج حسين .
حلب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق