الثلاثاء، 2 أكتوبر 2018

ضيافة النساء في الاسلام الشاعر د.صالح العطوان الحيالي

ضيافة النساء في الاسلام " ام معبد الخزاعية"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د.صالح العطوان الحيالي -18-9-2018
لقد سمعت كثيراً عن هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وعندما خرج من الغار هو والصديق رضي الله عنه مرا بخيمة في الصحراء تسكنها سيدة وزوجها وقد استراحا بعض الوقت عند هذه السيدة ..كان رسول االله صلّى االله علیه وسلّم من أجمل الناس خَلقاً وأكملھم خُلقاً ، ولم یوصف مثله أحد في التاریخ الإنساني بأنه وصل صلى االله علیھ وسلم بھما إلى أوج الكمال بما لا یحیط بوصفه البیان . والله درّ من قال :
وأحسن منك لم ترَ قَطّ عیني وأجمل منك لم تلد النساء
خُلِقتَ مُبَـرّءاً من كل عیب كأنك قد خلقت كـما تشاء
ویقول الصالحي الشامي :
"اعلم رحمني االله وإیاك أن االله سبحانھ وتعالى أنشأ النفوس مختلفة، فمنھا الغایة في جودة الجوھر،ومنھا المتوسط، ومنھا الكدر. وفي كل مرتبة درجات. فالأنبیاء صلى االله علیھم وسلم ھم الغایة، خلقت أبدانھم سلیمة من العیب فصلحت لحلول النفس الكاملة، ثم یتفاوتون. فكان نبینا صلى االله علیه وسلم أصلح الأنبیاء مزاجاً وأكملھم بدناً وأصفاھم روحا". ھناك عدد من الصحابة من رجال ونساء رضوان االله علیھم ، حاول أن یصف رسول االله صلّى االله علیه وسلّم ، وأن یصوره لمن لم یشاھده لیأخذ عنه صورة عامة . وھؤلاء الوصافون قلیلون ، إذا قارنا عددھم
بعدد الصحابة الذین التقوا برسول االله صلى االله علیھ وسلّم ، سواء من الذین عاشوا معه في المدینة ، أم من الذین وفدوا أو ترددوا علیھا من حین لآخر . فقد وصف ھند بن أبي ھالة وعلي بن أبي طالب وأنس بن مالك وجابر بن سمرة وأبو الطفیل وأبو جحیفة وعبد االله بن بسر والبراء بن عازب وأبو ھریرة وكعب بن مالك وعبداالله بن عباس وأبوبكر الصدیق وعمربن الخطاب وأبو سعید الخدري وغیرھم ، ووصفت أم المؤمنین السیدة عائشة والسیدة أم معبد والسیدة الربیع بنت معوذ والسیدة أم سلیم وغیرھن ، رضي االله تعالى عنھم أجمعین .وقد نجد بینھم من أسھب في الوصف ، وبینھم من اختصر ، حتى قد لا نجد أحیانا إلا كلمة ھنا،
وأخرى ھنالك ، قد تأتي عرضاً ، أو تأتي وكأنھا من حدیث مبتور .. وانا ھنا في سوفاقتصر على الوصف الذي قدّمته لنا لنا ممن رأت رسول االله صلّى االله علیه وسلّم رؤیة العین ، وعاشت معه واقتربت منه غایة الاقتراب . انها السیدة أم معبد التي وصفت الرسول صلّى االله علیه وسلّم اثناء ھجرته من مكة المكرمة إلى المدینة المنورة ...
السيدة أم معبد :
ــــــــــــــ ھي عاتكة بنت خالد بن منقذ ابن ربیعة ، وقیل : عاتكة بنت خالد بن خلیف بن منقذ بن ربیعة الخزاعیة ، أخت حبیش بن خالد الخزاعي الكعبي الصحابي قتیل البطحاء یوم الفتح ، وزوجة أبي معبد ، وھو أكثم بن الجون الخزاعي . كنیت بابنھا معبد . أسلمت على یدي رسول االله صلى االله علیه وسلم قبل أن یرتحل عنھا. وقیل
: إن أم معبد ھاجرت وأسلمت ، وكذلك زوجھا ھاجر وأسلم . نزل علیھا رسول االله صلى االله علیه وسلم في خیمتھا حین خرج من مكة إلى المدینة مھاجراً وذلك الموضع یدعى إلى الیوم بخیمة أم معبد. عاشت إلى نھایة خلافة سیدنا عمر بن الخطاب رضي االله عنھ. ..لم تكن أم معبد معروفة في الجاھلیة بل كانت امرأة بدویة لا تتعدى شھرتھا خیمتھا أو أھلھا، وقد ھبطت علیھا البركة عند نزول النبي صلى االله علیه وسلم ضیفاً علیھا عند ھجرته إلى المدینة ، لكنھا نالت الشھرة حین نزل في بیتھا النبي علیه الصلاة والسلام ضیفاً ، فقد كانت بالإضافة إلى كرمھا وجودھا فصیحة اللسان، وكانت صاحبة الوصف الأجمل ، وأنھا كانت ذات عین نافذة فاحصة .فوصفت النبي صلى االله علیه وسلّم لزوجھا أبي معبد ، وسجّلت أجمل وصف لرسول االله صلى االله علیه وسلم لایزال من أھم المراجع المحمودة في الشمائل المحمدیة . إذ كان أسلوبھا ساحراً ، وبیانھا آسراً، وجعل وصفھا خالدة الذكر على مرّ الدھر . ولم یبلغ من الرجال أحد من وصفه ما بلغت أم معبد . وعند ما قیل لأم معبد : ما بال صفتك لرسول االله صلى االله علیه وسلم أشبه به من سائر صفات مَن وصفه ؛ أي من الرجال ؟
فقالت : أما علمتم أنّ نظر المرأة من الرجل ، أشفى من نظر الرّجل إلى الرّجل .
وقیل لعلي بن أبي طالب رضي االله عنه : كیف لم یصفْ أحدٌ النبي صلى االله علیه وسلم كما وصفتھ أم
معبد ؟ فقال : لأن النساء یصفن بأھوائھن فیُجِدْن في صفاتھن .
مناسبة الوصف :
خرج النبي صلى االله علیه وسلم ھو وصاحبھ أبوبكر الصدیق مھاجراً إلى المدینة مع عبد االله بن أریقط اللیثي الذي كان ھادیاً ماھراً بالطریق ، ومع عامر بن فُھیرة خادم أبي بكر. فإذا أخذھم التعب والإرھاق نزلوا منزلا ، وأخذوا قسطاً من الراحة حتى مروا بخیمة أم معبد الخزاعیة ، وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي بفناء الخیمة ثم تطعم وتسقي من مرّ بھا من السیَّارة والمسافرین .فلما نزلوا عندھا سألوھا : ھل عندھا شيء یشترونه ؟ فقالت : واالله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى ، والشاء عازب - وكانت سنة شھباء - فنظر رسول االله صلى االله علیه وسلم إلى شاة في كسر الخیمة ، فقال " ما ھذه الشاة یا أم معبد ؟ "
قالت : ھذه شاة خلفھا الجھد عن الغنم .
فقال : " ھل بھا من لبن ؟ "
قالت : ھي أجھد من ذلك .
قال : " أتأذنین لي أن أحلبھا ؟ "
قالت : نعم - بأبي أنت وأمي - إن رأیت بھا حلَبًا فاحلبھا .
فمسح رسول االله صلى االله علیھ وسلم بیده ضرعھا ، وسمّى االله ودعا ، فتفاجّتْ علیھ ودرَّت .فدعا بإناء لھا یُربِض الرھط ، فحلب فیه حتى علتھ الرغوة ، فسقاھا فشربت حتى رویت ، وسقى أصحابه حتى رووا . ثم شرب ھو . وحلب فیه ثانیا فملأ الإناء . ثم غادره عندھا وارتحلوا .فقلّ ما لبثت أن جاء زوجھا یسوق أعنزاً عجافاً یتساوكن ھزالاً . فلما رأى اللبن قال : من أین ھذا ، والشاء عازب ، حیال ، ولا حلوب في البیت ؟
قالت : لا واالله إلا أنھ مر بنا رجل مبارك ، ومن حدیثه كیت وكیت .
قال : واالله إني لأراه صاحب قریش الذي تطلبه . صفیه لي یا أم معبد .
فجعلت أم معبد تصف لھ بصفاته الرائعة بكلمات آسرة ساحرة كأن السامع ینظر إلیھ وھو أمامه . فلما سمع أبومعبد ھذا الكلام قال :
واالله ! ھذا صاحب قریش الذي ذكروا من أمره ما ذكروا ، لقد ھممت أن أصحبه ، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبیلا ، وأصبح صوت بمكة عالیاً یسمعونه ولا یرون القائل :
رفيقين حلاَّ خيمتي أم معبــد
جزى الله رب الناس خيرَجزائه
فقد فاز من أمسى رفيق محمد
هما نزلاها بالهدى و اهتدت به
جزى الله رب الناس خير جزائه
رفيقي قالا خيمتي أم معبد
هما نزلاهما بالهدى واهتدت به
فقد فاز من أمسى رفيق محمد
فيا لقصي ما زوى الله عنكم
به من فعال لاتجارى وسؤدد
ليهن بني كعب مكان فتاتهم
ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها
فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت
عليه صريحا ضرة الشاة مزبد
فغادرها رهنا لديها لحالب
يرددها في مصدر ثم مورد
فلما أن سمع حسان بن ثابت بذلك شبب يجيب الهاتف وهو يقول:
لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم وقدس من يسري إليهم ويغتدي
ترحل عن قوم فضلت عقولهم وحل على قوم بنور مجدد
هداهم به بعد الضلالة ربهم وأرشدهم من يتبع الحق يرشد
وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا عمايتهم هاد به كل مهتد
وقد نزلت منه على أهل يثرب ركاب هدى حلت عليهم بأسعد
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ويتلو كتاب الله في كل مسجد
وإن قال في يوم مقالة غائب فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد
ليهن أبا بكر سعادة جده بصحبته من يسعد الله يسعد>يسعد
ليهن بني كعب مكان فتاتهم ومقعدها للمؤمنين بمرصد
فقال لها أبو مـعبد: صِفيه لي يا أم مـعبد !!.
النص:
قالت أم معبد :
أم معبد تَصِفُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، أبلَجَ الوجهِ (أي مُشرِقَ الوجه)،لم تَعِبه نُحلَة (أي نُحول الجسم) ولم تُزرِ به صُقلَة(أنه ليس بِناحِلٍ ولا سمين)، وسيمٌ قسيم (أي حسن وضيء)، في عينيه دَعَج(أي سواد)، وفي أشفاره وَطَف (طويل شعر العين)، وفي صوته صحَل (بحَّة و حُسن)، و في عنقه سَطع (طول)، وفي لحيته كثاثة(كثرة شعر)، أزَجُّ أقرَن (حاجباه طويلان و مقوَّسان و مُتَّصِلان)، إن صَمَتَ فعليه الوقار، و إن تَكلم سما و علاهُ البهاء، أجمل الناس و أبهاهم من بعيد، وأجلاهم و أحسنهم من قريب، حلوُ المنطق، فصل لا تذْر ولا هذَر (كلامه بَيِّن وسط ليس بالقليل ولا بالكثير)، كأنَّ منطقه خرزات نظم يتحَدَّرن، رَبعة (ليس بالطويل البائن ولا بالقصير)، لا يأس من طول، ولا تقتَحِمُه عين من قِصر، غُصن بين غصين، فهو أنضَرُ الثلاثة منظراً، وأحسنهم قَدراً، له رُفَقاء يَحُفون به، إن قال أنصَتوا لقوله، وإن أمَرَ تبادروا لأمره، محشود محفود (أي عنده جماعة من أصحابه يطيعونه)، لا عابس ولا مُفَنَّد (غير عابس الوجه، وكلامه خالٍ من الخُرافة).
ظاهر الوضائة
ابلج الوجه
حٓسن الخلق
لم تعبة نحلة
ولم تزري به صُعلة
وسيمٌ قسيمٌ
في عينة دعجٌ
في أشفارهِ غَطفٌ
وفي صوته صهلٌ
وفي عنقهِ سطعٌ
وفي لحيتهِ كثافة
أزجُ اقرَنُ
إن صمت فعلاهُ الوقار
وان تكلم سما و علاه البهاء
اجمل الناس و أبهاه من بعيد
وأحلاهُ و أحسنهُ من قريب
حلُ المنطق
فصلٌ لا نزرٌ لا هزر
كأن منطقهُ خرزات نظمٍ ينحدرٍ
ربعةٌ لا يأس من طولٍ و لا تقتحمهُ عينٌ من قصر
غصنٌ بين غصنين
وهو انظر الثلاثة منظرا
وأحسنهم قدرا
لَهُ رفقاء يحفون به
ان قال أنصتوا لقوله
و ان أمرٓ تبادروا لأمره
محفودٌ محشود
لا عابسٌ و لا مفند
كان رسول الله
فخماً مفخما
يتلألؤ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر
"د.صالح العطوان الحيالي"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق