الثلاثاء، 30 أكتوبر 2018

الهوية واللسان العربي الشاعر د.المفرجي الحسيني

الهــــوية واللــــسان العـــــربي
-------------------------------------------
  هل رأيتم كيف يتعفن القمح؟ من الداخل تكون القشرة سليمة وفي مكانها ،لكنه قشر فحسب الجلد نفسهُ الذي يبقى من الفراشة على شجرة. ظاهرة مقلقة صارت تتغلغل في المجتمع وهي تنازل الكثيرين عن اللسان العربي " واستبداله" بكلمات لغة اجنبية: مثل اسماء الشركات، المنتديات، المراكز التجارية، مراكز الترفيه، التسلية، الاحاديث اليومية العادية، وعلى شاشات القنوات الفضائية، وفي التعليم الجامعي والمدارس. بل ان هذه الكلمات الاجنبية صارت لوازم في الحوارات هي ظاهرة سطحية بسيطة لكنها تمس الهوية في العمق ،ان هذه الظاهرة مرض وهي لا تتعدى المظاهر اللغوية بل تتعداها الى تبني سياقات ثقافية خارجه عن هويتنا وتراثنا وعاداتنا وتقاليدنا وهي لا تمثل نوع التناقض المطلوب في عصر ثورة المعلومات وتطور الاتصالات. فالظاهرة لا تنم عن التثاقف يضيف الى روافد ثقافتنا من ثقافات الاخرين بقدر ما تمثل نوع من الهزيمة امام الثقافة الوافدة وتكون في هذا الموقف مجرد مستهلكين لهذه الثقافة الوافدة بل لقشورها غير المفيدة أن التنازل عن اللغة الام ليس الطريق لبلوغ لغة العصر والمشاركة فيه " الانسان المتغرب انسان قدمهُ في الهواء ذرة من الغبار معلقة في الفضاء تماماً مثل قذى فوق سطح الماء – قطع علائقه مع عمق المجتمع والثقافة والتقاليد لا علاقة له سلفية كانت او تقديمة ولا خط فاصلاً بين القديم والجديد هو شيء لا علاقة له مع الماضي ولا أي ادراك له عن المستقبل نقطة لا توجد في أي خط لكنه افتراضية على سطح صفحة في الفضاء تلك الذرة المعلقة. قد يبدو هذا الوصف مبالغاً فيه، لكن حقيقة الظاهرة تشي بان تلك الكلمات الاجنبية الفارغة بغير لغتنا العربية ليست الا رأس جبل الجليد العائم الذي لا يظهر منه الا القليل على سطح الماء لكنه يخفي الكثير في الاعماق ، مغترب اللسان مغترب في محيطه العربي من حيث ان اللغة عنوان الهوية واحدى ادوات تشكيلها بل لعلها تكون الاداة الاهم في حال نادرة مثل اللغة العربية، وان التنازل عن اللغة الام خطر جداً فهو يقترب من حدود التنازل عن الهوية ويكون مدخل لاقتصاد الانتماء، ان استخدام الكلمات الاجنبية مع اللغة الام عرض من مرض وملامح المريض " انه سهل القيادة بلا جذور، لا قدم له ولا اساس في ماء هذه الارض وطينها وللسبب نفسه يطفو المتغرب على الموج وليس ما تحت قدمه صلباً، وللسبب نفسه لا يكون صاحب موقف واضح ابداً، انه لا يستطيع ان يأخذ موقفاً في مواجهة اي قضية او اي مشكلة انه مطيع لكل امواج الحادثات لا يناقش اي شيء ولا يصطدم بشيء ،يعلم ان الريح تهب كل ان من صوب ما ودون ان تكون في يده بوصلة، المتغرب لأجعال هو انسان التقاطي يأكل خبزه بسعر زمنه يستوي لديه كل شيء، ان القلق على المستقبل فيما وصلت اليه الحال من ظاهرة التغرب اللغوي وعمليات الهدم المستمرة للغة العربية بلاوعي من اهلها ويتخبط من اعدائها.ان تقف القيادات العربية الحاكمة  موقفاً قلقاً مما يواجه من خطر الهوية والثقافة والمستقبل العربي." العمل الجاد على تحصين الهوية العربية ودعم مقوماتها ومرتكزاتها وترسيخ الانتماء العربي في قلوب الاطفال والناشئة والشباب وعقولهم ،باعتبار ان العروبة ليست مفهوماً عرقياً عنصرياً بل هو هوية ثقافية موحدة ،تؤدي اللغة العربية دور المعبر عنها والحفاظ لتراثها يثريه التنوع والتعدد والانفتاح والتقنية المتسارعة دون الذوبان او التفتت او فقدان التمايز" .ان الامم الواثقة تعمل جاهدة على دعم لغتها وثقافتها ونشرها بكل الوسائل في انحاء العالم كجزء اساس من قُوّتها وتأثيرها على شعوب العالم. ان التغرب الذي تعيشه بعض المجتمعات العربية او بعض شرائح هذه المجتمعات والتي فهمت العولمة بانها التشبه بالغرب وقبولها على علاتها من غير ميزان يزنها ويطابقها على واقع حال هذه المجمعات، الان علينا ان نطور لغتنا ونطوعها لاستيعاب مستجدات العلم والفكر والثقافة العالمية، والا نفكر بان نتجاوز لغتنا – هويتنا ظنّاً منا بأن القفز عليها الى التغريب سيؤدي بنا الى النهضة ،وتجارب شعوب العالم تدل على ان من يُرد ان ينهض فعليه ان يعتمد على قواه الذاتية اولاً ويطوع امكاناته الثقافية والمادية لكي يحصل على اعتراف الاخر به.
*****************
د.المفرجي الحسيني
الهوية واللسان العربي
20/10/2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق