اللــــفظية (الكــــلامية) فــي التــــربية
-------------------------------------------
ان فرض الانسحاب على الطالب من حياته وحاضره ومستقبله صورة من صور الهيمنة والتسلط التي تضعف العمل والانتاجية والاجتهاد والممارسة، وتحل محلها ثقافة القول غير المسنود بالفعل والشعار البعيد عن الواقع واجترار الالفاظ – الكلام – بدلاً من ترجمتها الى منجزات.
من مظاهر الهيمنة والتسلط في التربية سيطرة (اللفظية) – الكلامية – التربوية التي تحول التربية من افعال الى اقوال، ومن سلوكيات عملية الى مجرد تنظير، ومن تركيز على الجوهر الى اهتمام على الشكل، ومن روح تسري في المجتمع الى مجرد ظاهرة صوتية.
ان (اللفظية) – الكلامية – هي استخدام الكلمات المعسولة الرنانة التي لا تحتوي على المضمون فهي مجرد كلمات (الفاظ) في حد ذاتها، اي تغلب عليها المعاني فقط. اي انه – اي التربية – تركز على الكلام والنظريات والحفظ والتلقين والشعارات والدراسات الانسانية والاجتماعية والمعارف والمعلومات النظرية، كما يتميز بالفجوة الكبيرة بين النظرية والتطبيق.
ان ظاهرة (اللفظية) – الكلامية – تعد احدى المشكلات البارزة المرتبطة بالتسلط التي تعاني منها التربية والتعليم. فالعملية التعليمية بشكل عام تقوم على (اللفظية) – الكلامية – الشرح والتوضيح والتلخيص وتلخيص التلخيص والخطابة، اما العمل فهو قليل.
ان النظام التربوي – نظام نظري لفظي – كلامي – وليس عملي. فالطالب يعتمد في تحصيله على ذاكرته وعلى التكرار للمعلومات المحفوظة، انه تعليم الذاكرة قصيرة المدى المرتبطة بالامتحانات، اما دور العملية التعليمية فانه يقتصر على تربية العقل ونقل المعلومات النظرية فقط، اما الاهتمام بالتربية الجسدية والخلقية والروحية والوجدانية، فقد تضاءل كثيراً. هناك انفصال بين التعليم النظري والتطبيقي مما ادى الى عزل المدرسة عن المجتمع والحياة والانتاج، وازداد اقبال الطلبة على الدراسات الادبية والنظرية والانسانية، وقل اقبالهم على العلوم العملية والتطبيقية.
تتركز عملية التعليم على اللفظية – الكلامية – والتي ترتكز على ملء رؤوس الطلبة بكميات كبيرة من الالفاظ – الكلام – والتي ينظرون اليها كمحفوظات. ومعنى ذلك ان التعليم أصبح في الغالب يتجه نحو تحصيل المادة (اللفظية) واسترجاعها وليس مهماً ان يفهم ما تحمل العبارات من محتوى ومعنى.
تمتد ظاهرة اللفظية مع مضامين التسلط لتشمل كثيراً من جوانب العملية التربوية والتي اهمها:
أ. الأهداف التربوية: ان اللفظية التي جوهرها غلبة البلاغة اللغوية على المعنى، سمة واضحة من سمات صياغة الاهداف التربوية كما ان تغليب الشكل على الجوهر واللفظ على المعنى في الاهداف التربوية مما يجعلها في وادٍ وعملية تطبيقها في وادٍ آخر، ويحول دون تحويلها الى نواتج سلوكية وانماط عملية حية، فهي من الناحية النظرية تنص على غرس العقيدة والاخلاق الحميدة والقيم الاصيلة والعادات والتقاليد النبيلة، وتدعو الى تحقيق التوازن في مجالات النمو المختلفة للطالب وتنمية الفكر العلمي والنقدي والتحليلي والابداعي وحب العمل وربط التعليم بالبيئة والتنمية وما الى ذلك من صيغ لفظية، غير ان الواقع التربوي والتعليمي كثيراً ما يناقض تلك النصوص الكلامية، فكيف سيحقق تلك الشعارات البراقة في الوقت الذي لا يزال تحقيق (محو الامية بعيد المنال)!.
ب. محتوى المناهج الدراسية: المناهج الدراسية وسيلة المجتمع لتحقيق اهدافه التربوية، والصياغة الانشائية لكثير من الاهداف التربوية هي احدى صور اللفظية – الكلامية – في التربية، ويشير واقع المناهج الدراسية الى رجحان كفة التنظير على حساب التطبيق، إذ ينصب الاهتمام على المعلومات النظرية، اما المهارات وتنمية القيم والاتجاهات الايجابية، فأمور لا تحظى بالعناية الكافية، وتتمثل (اللفظية) في معظم المناهج وفق امور معرفية ضخمة وقليلة الارتباط بواقع الحياة يخزنها المتعلم ويحفظها عن ظهر قلب من دون ان يكون له أثر كبير في تنمية طاقاته الفكرية وقدراته العقلية على محاكمة الامور وتقصي أبعادها، وأحكامه النقدية وقدرته على حل المشكلات واتجاهاته ومهارات العمل لديه.
ت. طرق التدريس: ان طرق التدريس هي الوسائل اللفظية والمادية والبشرية التي يستخدمها المدرس في ايصال المعرفة والخبرات للطلبة، والتفاعل معهم بشأنها. لكن معظم المعلمين يكتفون بأصواتهم كوسائل يوصلون بها المعلومات لطلبتهم، اما استخدامهم تكنولوجيا التعليم فلا تزال محدودة. فالاهتمام ينصب على سرد الحقائق والمعلومات وحفظها بدلاً من التركيز على كيفية معرفتها والحصول عليها. ومن اسباب اللفظية – الكلامية – في التربية: 1. أسباب ثقافية، 2. اسباب تاريخية، 3. اسباب اقتصادية، 4. اسباب فلسفية، 5.اسباب سياسية.
**********
د.المفرجي الحسيني
اللفظية الكلامية في التربية
2/10/2018
الجمعة، 5 أكتوبر 2018
اللفظية الكلامية في التربية الشاعرد.المفرجي الحسيني
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق