الاثنين، 1 أكتوبر 2018

التربية والتسليح الشاعر د.المفرجي الحسيني

التــــــــــربية والتـــــــــسليـــــــع (الاتــــــــجار)
----------------------------------------------------------
التسليع (الاتجار) التربوي: هو احد المظاهر التي تعمل على تحويل التربية من رسالتها السامية الى (سلعة تجارية) بحيث تتحول التربية الى بضاعة استهلاكية تباع وتشترى "قانون العرض والطلب". ويستطيع البعض الحصول عليها بينما يعجز البعض الاخر، وتتعرض احيانا للغش كأي سلعة اخرى، وبهذا يصبح الهدف الاسمى هو تحقيق الربح، ويتم الترويج لها وتسويقها بأساليب شتى، صادقة واخرى كذب وتزويـــر.
فالتسليع (الاتجار) التربوي هو ادخال التربية الى الاسواق وعرض الدرجات العلمية كبضاعة للبيع وتحويل المؤسسات التعليمية الى شركات تجارية هادفة لتحقيق المكاسب المالية، اي ان التسليع (الاتجار) التربوي يعني عمل القائمين على مؤسسات التعليم كرجال اعمال، علماً ان المنتج هنا هو (التربية) والمستهلك هم (الطلبة).
كثيراً ما يوجز التسليع التربوي بروز المطامع الشخصية او المكاسب الفردية وطغيان المنافع الذاتية على المصالح الاجتماعية والسعي الى الثراء السريع بعض من مشروعية الوسيلة. ومن مظاهر الاتجاه السلعي (الاتجار) في التربية:
أ‌. الدروس الخصوصية:
-----------------------------
يعتبر التدريس الخصوصي احد ابرز مظاهر التسليع (الاتجار) في التربية، فهو مثال حي على النظر الى التربية كسلعة (تجارة)، وقد وصف احد التربويين الدروس الخصوصية: مرض مزمن تراكمت اسبابه وتفاقمت اعراضه وانها ازمة سرطانية يصيب انتشارها مجمل الجسم التعليمي بالضعف والهزال وفي ظلها اصبح التعليم تجارة سوق سوداء.
من سلبيات الدروس الخصوصية:
----------------------------
1. ينظر لها بعض الطلبة انها وسيلة مختصرة للتعليم.
2. فتح ارصدة ضخمة للمعلمين.
3. تهاون بعض المعلمين في أداء الواجب.
4. تحويل العملية التعليمية الى تلقين وحفظ المعلومات.
5. اضعاف احترام الطلبة للمعلمين.
6. ايجاد تعليم موازٍ للتعليم الرسمي.
7. اضعاف قيمة المدرسة.
8. تحويل تعاون الطلبة الايجابي الى سلبي.
9. اضعاف التزام الطلبة.
ب‌. المناهج الدراسية: تحول المنهج في كثير من المدارس والجامعات الى مجرد مذكرات (ملازم) يروجها مؤلفوها بهدف الربح السريع وبذلك أصبح الكتاب أداة (للاسترزاق) ووسيلة لحل المشكلات المادية لبعض المدرسين بدلاً من ان يكون مصدراً للتربية والتعليم، كما ان المتاجرة في الكتب جعلت بعض المدرسين يظهرون امام طلابهم كأنهم اصحاب حوانيت لبيع الكتب والمذكرات والملازم، مما شوّه صورتهم وأضعف مركزهم كقدوة لطلابهم، اضف أن كثيراً من اعضاء الهيئة التدريسية يلجأ الى استخدام وسائل غير مشروعة من الترغيب والترهيب لإجبار الطلبة على شراء كتبهم او مذكراتهم او ملازمهم التي أُعدت على عجل، مما جعل الكتاب المدرسي في بعض الحالات مأساة عملية وأخلاقية متخلفة عن "نبض العصر" واضح، وهبوط مستواه مؤسف، واخراجه خالِ من اي مسحة جمالية.
ت‌. الامتحانات: الامتحانات ايضاً تخضع كسلعة (تجارة) للعرض والطلب والمساومة. فعندما يجلس الطالب امام ورقة الامتحان، يقوم اولياء الامور بإطلاق صيحات الشكوى ويتردد صداها في وسائل الاعلام، وتتركز الشكوى حول ادعاءات بصعوبة الاسئلة، او عدم تدريس المعلمين لموضوعاتها او قصر الوقت المخصص لها او اختيارها من خارج المواد المقررة او تركيزها على اسئلة غير مباشرة، وكثير من الاحيان ترضخ الوزارة للضغط الشعبي فتقدم تنازلات في تقدير الدرجات وهكذا يتحول الامتحان الى "سلعة، اتجار" عرضة للشكوى والمساومة بين اولياء الامور والقائمين على التعليم.
ومن أسباب  "التسليع، الاتجار" التربوي:
1. الاقتصادية: ان النظام الاقتصادي المطبق في المجتمع كثيراً ما يترك بصماته وآثاره على النظام التعليمي فيه.
2. ثقافية: ان الثقافة المشبعة بالاتجاه السلعي (الاتجار)كثيراً ما تتميز تربيتها بالطابع السلعي (الاتجار). ويعد الاختراق الثقافي احد العوامل التي تسهم في فرض التوجيهات (السلعية – الاتجار) حيث أنه يعمق الفرديـة واكثار الشخصي، ويعطل ما غلبه العقل.
3. سياسية: ان الوضع السياسي في العادة يفرض نفسه، وينعكس على المجال التربوي، فللسياسة تأثير كبير على التربية، لأن كثيراً ما يكون الواقع التربوي نتاج العمل السياسي الذي يضبط التربية ويحدد بنيتها ومحتواها، ويصوغ اهدافها ويبين اتجاهها ومسارها. لذلك فمن الصعب أحياناً فهم المشكلات التربوية وحلها دون الوعي بسياقها السياسي.
4. اجتماعية: المجتمع هو المعين الاساسي الذي تستمد منه العملية التربوية كثيراً من مقوماتها وتعتمد في توجيه مسارها.
5. فلسفية: لقد أسهم تأثير التربية بالفلسفة البرغماتية في تعزيز التوجيه السلعي (التجاري) فيها. فالفلسفة البراغماتية فلسفة فردية تركز على المنفعة، وتؤمن بالقيم النسبية والمتغيرة والذاتية.
6. العولمة: العولمة في ابسط معالمها هي التكامل الاقتصادي على مستوى العالم وتحويل اقتصادات العالم المتعددة الى اقتصاد عالمي واحد. ويعتبر تسليع التربية من اهم المضامين التربوية للعولمة.
******************
د. المفرجي الحسيني
التربية والتسليع
29/9/2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق