د. عز الدين حسين أبو صفية
قصة قصيرة :::
الحُلم ::::
،،،،،،،،،
التقيا على مدخل القرية ، و من على بعد ، اشار لها بيده يؤكد على شيء ما ، بدون ان يتكلم و لو بكلمة واحدة .... فهمت عليه ما ذا تعني اشارته تلك لأنها تعودت عليها كلما كانا ينويان اللقاء أومأت له برأسها معلنة موافقتها على اللقاء الذي كان يجمعهما دائما عند تلك الصخرة التي تبعد مئات الامتار عن مدخل القرية وفي نهاية طريق ملتوي لا يسلكه في العادة الا من ذهب ليرعى الماعز أو عائد من مهمته . كان لقائهما بعد ساعة تقريبا من عودة كل الرعاة من رعي ماعزهم فيصبح الطريق خاليا من الحياة الا من الطيور التي ترفرف بزهو الهدوء الذي يوفره لها هذا الطريق المعبق برائحة شجر الصنوبر و الازهار البرية التي تضفى على الطريق زهوا و جمالا جذابا يلفه سحر رباني لم تطأه أقدام و لم تلمسه ايادٍ تعكر صفوه و هدوءه .
كان سامي قد سبقها الى تلك الصخرة التي ترتفع عن مستوى الطريق الترابي عدة امتار و هي موجودة منذ زمن طويل و لا احد من أهل القرية يعلم من اين اتت تلك الصخرة ذات اللون الارجواني اللامع و التي أثرت في تشكيلها العوامل الطبيعية بأن نحتت فيها بحيث انها اصبحت كانها مقعداً ثنائيا غير منفصل ، و لا احد يعلم كيف تم نحت الصخرة و من قام بذلك و كان الاعتقاد السائد منذ القدم بان هذه الصخرة هي نيزك نزل من السماء ارسله الله الى إلاه الحب الذي كان يختلى بمعشوقته و يجلسا عليه لساعات و أيام طويلة يتحدثان و يخططان لنشر المحبة و الحب في الكون .
لم يؤمن أهل القرية بهذه الأسطورة رغم أنهم يدركون بان للمكان و الصخرة قدسية إلاهيه فيتجنبوا الاقتراب منها أو حتى لمسها خوفا من ما لا يحمد عقباه قد يتعرضون له نتيجة غضباً الالهة .
جلس سامي و لم تهزه تلك المعتقدات و الروايات عن الصخرة ، بل بالعكس كان يتبارك بها و كان قلبه ينشرح عندما ياتيها و هو يعلم بانها كانت عبارة عن مقعدا لإلاه الحب ، و هو الشغوف لهذا الحب و يمارسه مع ليلى التي ينتظر وصولها ، كان تفكيره مشغولا بها و بكيفيه ادارة اللقاء معها و ما هو الجديد لديه الذي ينوي ان يتوج به لقائه بها .
وصلت ليلى ، رحب بها سامي ، ثم جلست الى جواره تلتقط انفاسها بسبب التعب الذي أصابها نتيجة قطعها تلك المسافة للوصول الى الصخرة و التي استغرقت عشرون دقيقة مشياً على الاقدام .. تنهدت بعمق ، ثم جلست في المكان الذي تعودت الجلوس عليه بعد أن كان سامي قد مسح بمنديله الاثرية و الغبار الذي تواجد عليه ، جلست ليلى تشهق عميقا و تزفر كل ما عانت به من تعب وخوف من ان يراها احد من أهل القرية فيوشي بها و تقع في مشكلة مع أهلها .
رحب بها سامي و القت برأسها على كتفه محاولة الارتخاء من التعب ... ثم غفت .
لم يدرك سامي بان ليلى قد غفت و كانت احدى يداه تداعب خصلات شعرها و يحاول رسم حروفاً يحكى بها قصة حبه لها ، كان حنانه غامراً اثناء مداعبته لخصلات شعرها ، و كان بيده الاخرى يداعب أصابع كفها و يدغدغ كل مفاصلها و كأنه يقرأه و هو يمرر أصابعه على كل خطوطه الطويلة و العرضية و يتحسس كل زوايا هذه الخطوط ، فكانت ليلى رغم غفوتها الا أنها تشعر بلمسات أصابع سامي فتتبسم ابتسامة هادئة يشعر بها سامي و يتلمس احاسيس ليلى و يشعر بسعادتها و يحدثها عن مشاعره اتجاهها و حبه لها و عن خططه لمستقبل حبهما و هو يُظهر شعوراً وكأنها تسمعه .
كانت السعادة تغمرهما الى الحد الذي جعلهما لا يدركان كم من الوقت مضى عليهما في هذا المكان و هذه السعادة .... الى ان بدأت عيناه تذبلان و داهمهما النعاس .. فغفى ... و توقفت أصابعه عن مداعبة خصلات شعرها و تفحص عقلات اصابعها و خطوط كفها .
انتبهت ليلى لذلك ، وفجأةً فاقت من غفوتها ،و نهضت ، و كأن ماساً كهربائياً أصابها ، و قفزت منزعجة لِتَوَقُف حالة الحب التي كانت تعيشها مع سامي ..... نهضت مندهشة و هي تنظر الى كل جزء و كل شبر من حولها ، لتجد نفسها على سريرها ، و في غرفة نومها بعد ان أفاقت من نومها و من حلمها الجميل مع سامي .
ابتسامة عريضة ارتسمت على شفتيها ، والقت بجسمها على سريرها وهي تحتضن وسادتها وتهمس لها ...
كان حُلماً ...
وما أجمله من حلم .
د. عز الدين حسين أبو صفية ،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق