الأحد، 25 فبراير 2018

وشاورهم في الأمر بقلم د.صالح العطوان الحيالي

وشاورهم في الامر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق- 22-2-2018
(أهمية الشورى) قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} آل عمران 159.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمر إذا حدث، تطييباً لقلوبهم، ليكون أنشط لهم فيما يفعلونه،ولِيُعلِّمَ أمَّته من بعده فقه الشورى .
فقد شاورهمصلى الله عليه وسلم يوم بدر في الذهاب إلى العير، فقالوا: يا رسول اللّه لو استعرضت بنا عرض البحر لقطعناه معك، ولو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك، ولا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، ولكن نقول: اذهب فنحن معك وبين يديك وعن يمينك وعن شمالك مقاتلون.
وشاورهم أيضاً أين يكون المنزل، حتى أشار المنذر بن عمرو بالتقدم أمام القوم.
وشاروهم صلى الله عليه وسلمفي أحُد في أن يقعد في المدينة أو يخرج إلى العدوّ، فأشار جمهورهم بالخروج إليهم فخرج إليهم.
وشاروهم صلى الله عليه وسلم يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذٍ فأبى ذلك عليه السعدان، سعد ابن معاذ وسعد بن عبادة، فترك ذلك.
وشاورهم صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية في أن يميل على ذراري المشركين، فقال له الصديق: إنا لم نجئ لقتال أحد وإنما جئنا معتمرين، فأجابه إلى ما قال، فكان صلى الله عليه وسلم يشاورهم في الحروب ونحوها.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك وهو الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فكيف بنا اليوم ونحن الخطَّاؤون المذنبون نتفرد برأينا، ويعجب كل ذي رأي برأيه، ويتعصب إليه ولا يقبل النقاش فيه ! أهل أنت أحكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فما لكم كيف تحكمون؟
في معارك فتوحات الشام وخلال المعارك التي دارت بين المسلمين والروم ارسل امين الامة ابو عبيدة رضي الله عنه احد عيونه لتقصي اخبار الروم وعندما عاد بمعلومات قيمة ... قال ابو عبيدة (رض) لبعض عيونه : قم وأخبر المسلمين بما رأيت فقام الرجل وأخبر الناس بما رأى من الجيوش الثقيلة وعددها وعديدها فعظم ذلك على المسلمين وداخل قلوب رجال منهم الهيبة والجزع وجعل بعضهم ينظر إلى بعض ولم يرد أحد منهم جوابًا فقال أبو عبيدة (رض) : ما هذا السكوت عن جوابي رحمكم الله فأشيروا علي برأيكم . فإن الله عز وجل يقول لنبيه محمد (ص): { وشاورهم في الأمر } : فتكلم رجل من أهل السبق وقال : أيها الأمير أنت رجل لك رفعة ومكان وقد نزلت فيك آية من القرآن وأنت الذي جعلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمين هذه الأمة . فقال عليه السلام : لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح (رض)أشر أنت علينا بما يكون فيه الصلاح للمسلمين . فقال الأمين أبو عبيدة ( رض) : إنما أنا رجل منكم تقولون وأقول وتشيرون وأشير والله الموفق في ذلك . فقام إليه رجل من أهل اليمن وقال : أيها الأمير الذي نشير به عليك أن تسير من مكانك وتنزل في فرجة من وادي القرى فيكون المسلمون قريبًا من المدينة والنجدة تصل إلينا من الخليفة عمر بن الخطاب (رض) وإذا طلب القوم أثرنا وأقبلوا إلينا كنا عليهم ظاهرين .
فقال الأمير أبو عبيدة (رض) : اجلسوا رحمكم الله فقد أشرتم بما عندكم من الرأي وإني إن برحت من موضعي هذا كره لي عمر بن الخطاب ذلك وأخذ يعنفني ويقول تركت مدائن فتحهما الله على يديك ونزحت عنها وكان ذلك هزيمة منك ثم قال : أشيروا علي برأيكم رحمكم الله تعالى .فقام إليه قيس بن هبيرة المرادي وقال : يا أمير المؤمنين لا ردنا الله إلى أهلنا سالمين إن خرجنا من الشام وكيف ندع هذه الأنهار المتفجرة والزروع والأعناب والذهب والفضة والديباج ونرجع إلى قحط الحجاز وجدبه وأكل خبز الشعير ولباس الصوف ونحن في مثل هذا العيش الرغد فإن قتلنا فالجنة وعدنا ونكون في نعيم لا يشبه نعيم الدنيا .
فقال أبو عبيدة (رض) : صحف والله قيس بن هبيرة وبالحق نطق ثم قال : يا معاشر المسلمين أترجعون إلى بلاد الحجاز والمدينة وتدعون لهؤلاء الأعلاج قصورًا وحصونًا وبساتين وأنهارًا وطعامًا وشرابًا وذهبًا وفضة مع ما لكم عند الله عز وجل في دار البقاء من حسن الطعام ولقد صدق قيس بن هبيرة في قوله لنا ولسنا ببارحين منزلنا هذا حتى يحكم الله بيننا وهو خر الحاكمين .
قال فوثب قيس بن هبيرة وقال : صدق الله قولك أيها الأمير وأعانك على ولايتك ولا تبرح من مكانك وتوكل على الله وقاتل أعداء الله فإن فاتنا فتح عاجل فما يفوتنا ثواب آجل . فقال أبو عبيدة (رض) : شكر الله فضلك وغفر لنا ولك والرأي رأيك وتتابع قول المسلمين بحسن رأيهم إلا خالد بن الوليد (رض) فإنه ساكت لا يقول شيئًا . فقال أبو عبيدة( رض) : يا أبا سليمان أنت الرجل الجريء والفارس الشهم ومعك رأي وعزم فما تقول فيما قال قيس بن هبيرة .فقال خالد (رض) : نعم ما أشار به قيس إلا أن الرأي عندي غير رأيه ولكن لا أخالف المسلمين فقال : إن كان عندك رأي فيه صلاح فائت به وكلنا لرأيك تبع فقال خالد بن الوليد (رض)اعلم أيها الأمير أنك إن أقمت في مكانك هذا فإنك تعين على نفسك لأن هذه الجابية قريبة من قيسارية وفيها قسطنطين ابن الملك هرقل في أربعين ألف فارس وأهل الأردن قد اجتمعوا إليه خوفًا منكم والذي أشير به عليكم أن ترحلوا من منزلكم هذا وتجعلوا أذرعات خلف ظهوركم حتى ينزلوا اليرموك ويكون الملأ من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب( رض) قريبًا منكم متلاحقًا بكم وأنتم على فتح لقتال عدوكم وهي أرض واسعة لمجال الخيل . قال فلما نطق خالد بن الوليد بهذا الكلام . قال المسلمون : نعم ما أشار به خالد وقال أبو سفيان بن حرب : أيها الأمير افعل برأي خالد بن الوليد (رض) وابعثه إلى ما يلي الرمادة فيكون بين عساكرنا وعساكر الروم المقيمة بالأردن لئلا ندهي منهم عند رحيلنا فإنه سيكون لرحيلنا ورحيل عسكرنا بين هذه الأشجار ضجة عظيمة وجلبة هائلة فيداخل عدوكم فيكم الطمع فإن أقبلوا يريدون غارة ومكيدة لقيهم خالد بن الوليد (رض) بمن معه . فقال خالد بن الوليد : والله يا ابن حرب لقد نطقت عن ضميري وهكذا الرأي عندي . فعند ذلك أمر أبو عبيدة الناس بالرحيل من الجابية فرحلوا ودعا أبو عبيدة بجيش خالد بن الوليد الذي أقبل به من أرض العراق وهو جيش الزحف وهو يومئذ أربعة آلاف فارس وأمر خالد بن الوليد (رض) أن يسير بهم ويكون على طلائع المسلمين وحرسهم من وراء ظهورهم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق