.................(ما كان لك أن تطير)........................
في شهر يناير1968م انخلع"أحمد"بصعوبة من على كرسيه في "كافيتريا" كلية طب القاهرة؛محاولا أن يجمع شتات نفسه،ويجبر انكسار روحه؛تشيعه نظرات الشفقة من عامل " الكافيتريا "،فهاهو الشهر السادس الذي تخلف فيه "ليلى"موعدها معه،ستة أشهر مضت بخطى سلحفاة عجوز!!
كم هي ثقليلة ومريرة تلك الأيام!
سار أحمد في شارع القصر العيني متجها لميدان التحرير
يتبع قدميه كتبعية الظل لصاحبه،فبقلبه بركان ،وبعقله ظنون توشك أن تفتك به، عاصفة من التساؤلات تتصادم في عقله تمزقه،وتقتلع ثوابته دون أن يجد لها جوابا!!
ماذا حدث حتى تنقطع ليلى عن لقائه بعد تجنيده بالجيش؟
ألم يتعاهدا على الزواج؟ لقد كانت حلما يستحيل تحقيقه،
كان يتابعها بصمت في الكلية،وبنظرات خجولة بسبب نشأته الريفية،وفي العام الأخير بالكلية التقاها على محطة الباص،
وتصادف أن تحرش بها أحد أبناء الشوارع،فتصدى له باندفاعة من لا يتقي العواقب،فما كان من المتحرش إلا أن استل سكينا وأغمده في كتفه،وولى هاربا،نقلته "ليلى" إلى المستشفى،وتوطدت علاقتهما،وفتح لها قلبه على مصراعيه لتتربع فيه،واعتبر الحادثة جائزة السماء له.
طار بحلمه محلقا،يصدح بأعذب الألحان،غير أن أوقات المسرة قليلة،فقد جرت الرياح بما لا تشتهي السفن،فحلت نكسة 1967م،وتم تجنيده مع مئات الآلاف من حملة المؤهلات العليا، لبناء جيش حديث يسترجع الأرض والعرض،
كان الداخل إلى الجيش مفقودا،والخارج منه مولودا،والكل يدخل،ولا أحد يخرج،والشعب يئن ويتوجع،ويجوع ويعرى،
ليقدم كل ما يملكه لجيشه راضيا صابرا،والمعادلة غريبة:يخطيء القادة ليدفع الشعب ثمن أخطائهم.
ها هي "ليلى" قد غابت هي الأخرى،وانسد الأفق،وغيوم الشتاء السوداء لا تسمح ببصيص شعاع،ترى كم تحتاج يا أحمد لتحقيق حلمك والحال كما ترى؟ عشر سنوات؟ خمس عشرة سنة؟! لابد أن ليلى أدركت الحقيقة،وولت هاربة،ما كان ينبغي أن تطير بحلمك محلقا،فحلمك ولد خديجا ليموت،وبلا أجنحة ليلتصق بالأرض كالحشرات والديدان.
قطع أحمد الشارع متجها لميدان التحرير،فسمع صرخة عجلات سيارة كادت أن تفتك به،تسمر مكانه كتمثال حجري،سمع صوت صاحب السيارة الفارهة يصرخ فيه:
---انتبه لنفسك يا أعمى.
نظر بعينيه الذاهلتين تجاهه،فإذا ب"ليلاه"تجلس بجوار صاحب السيارة في أبهى زينتها،مرتدية معطفا من الفراء النادر،وتتحلى بحلي باهظة القيمة،فظل يحملق فيها مشدوها،
فجاءه صوت صاحب السيارة
----أعمى وأصم أيضا..ألا تتحرك؟!
سحبه بعض المارة،وعيناه معلقتان على السيارة إلى أن انطلقت،واتجه إلى حافلته،وانحشر بين مئات الركاب كعلبة سردين.
(عبدالله عبده)
الأحد، 25 فبراير 2018
ما كان لك ان تطير بقلم عبد الله عبده
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق