عَرَّافةُ الشِّتاءِ ...
بقلم الشاعر إحسان الخوري
في مَحطَّةِ الخَيالاتِ ..
وخُرافيَّةِ الطَّالَعِ عِندَ العرَّافاتِ ..
تقتَرِبُ ريحٌ من غَيمةٍ رَقيقَةِ الوَجهِ ..
تودُّ أن تُغازِلَ جَمالَها الآسِرَ ..
فقالَتْ عرَّافَةٌ عَتيقَةٌ …
كانَتْ تَبيعُ الغُيومَ لِلشتاءِ ..
تلكَ الرِّيحُ تَخونُني معَ الغيوم ..!
تتَّكيءُ العَرَّافةُ في وُجومٍ ..
تَعبِسُ ..
تَستعمِلُ خِبرَتَها القَديمَةَ ..
تعزِفُ علىٰ مَوَّالِ الجَوِّ الحَزينِ ..
فتُصابُ الرِّيحُ بِضَربةِ البَردِ ..
تَغفو قَليلا ً ..
وتُخفِقُ في إِسقاطِ أوراقِ الصَّفصَافِ …
تَمُرُّ سَحابَةٌ أخرى دونَ عِلمِها ..
تتَشاقىٰ بِملءِ ذِراعَيها ..
فَينبُضُ كَبِدُ السَّماءِ ..
يَجوبُ إِعصارٌ من خَيالِ الألوانِ ..
تستيقظُ الجَانُّ ..
تَنذهِلُ حُزَمُ النَّيازكِ المُتهالِكةُ …
فتَجفَلُ السَّحابَةُ ..
يَطفُقُ الضَّبابُ يَلُفُّ خَصرَ الرِّيحِ ..
تتحرَّكُ أصابِعِ الرِّيحِ ..
إنها الجبروتُ القادِمُ ..
يُثَرثِرُ خازِنُ الليلِ في ارتِجافٍ ..
فالرِّيحُ تَحتكِرُ ضَراوةَ كُلِّ الاحتِمالاتِ ..
وأيُّ أجنِحةٍ سَتَحمِلُ لَحنَها الفاجِرَ ..
يَلوذُ القَمرُ خلفَ الغَيمِ لِيُخْفي الوَجَلَ ..
أغصانُ الصَفصاف تَهتزُّ علىٰ عَجَلٍ ..
إغماءَةٌ بينَ السَّماءِ والسَّماءِ ..
ولا سبيلٌ الآنَ لانبِلاجِ الفَجرِ …
تُسمعُ جَلَبَةُ أصواتِ الآهاتِ ..
سُعُفٌ مِنَ الغُيومِ تَحمِلُ الشَّيءَ المُلبَّدَ ..
وعلىٰ كَتِفَيها أحمالٌ مِنَ الوابِلِ ..
فتَعبَثُ الرِّيحُ بِمَزاجِ الكُلِّ ..
تُغرِزُ أصابِعُها بِروحِ الشِتاءِ ..
مَسُّ العُبورِ يَتشارَسُ معَ الحَواسِّ ..
وَشوَشاتٌ مِنَ العَفاريتِ الشَّارِدَةِ ..
نَزْفٌ منْ بعضِ الغَيماتِ المَجنونةِ ..
تَختَلِطُ الحُدودُ بينَ السماءِ والأرضِ ..
وتَبتلعُ الدَّهشةُ جَسدَ السَّماءِ …
فتنبشُ الريحُ جُيوبَها ..
تَبحَثُ عنِ الأصواتِ الماكِرةِ ..
يبدأُ الانفِلاتُ في امتدادِ الفَراغِ ..
هيَ الآنَ لا تعرفُِ وجههاَ الآتي ..
تَرضَعُ قليلاً من نَهدِ الَّليلِ ..
تلتَهِمُ أوراقَ الشَّجَرِ بِشَديدِ البَأسِ ..
تَضرِبُ في جِهاتِ الأرضِ الأربَعةِ ..
ثمَّ تهرِشُ جَسَدها ..
وتُحطِّمُ سُخريَّةَ القَدَرِ المُتَعَجرِفِ ...
تُهَروِلُ الدَقائِقُ ..
تّؤَرِّخُ نَشوَةَ الرِِّيحِ المَخُوْفِ …
تَروحُ الرِّيحُ خَفيفَاً خَفيفَاً ..
تَختَفي خلفَ ذُيولِ النِّسيانِ ..
وتُداهِمُ الَّليلَ هُنيهاتُ الفَجرِ ….
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق