الثلاثاء، 29 مايو 2018

بمناسبة مرور ثلاثة عاماًبقلم الكاتب / عبد الزهرة خالد

بمناسبة مرور ثلاثة عشر عاما على دخول أبي دار الخلود.

إلى أبي
———
لحد الآن يا أبتي أسفُ الترابَ على وجعي وأنقلُ من نبضي حياةً إلى جسدكَ الذي يعشقُ القبرَ ولم يفارقه . لا أعرفُ كيف يحيا الوطنُ بلا أبٍ ، ولا أقتنعُ بالهواء الذي يسري إلى رئتي وأنتَ الغائبُ عن جوِ هذا العالم المكتظ بالفصولِ والغيومِ
والأعاصير ، أما زلتَ في عيونِ السماءِ شيخٌ يتكأ على جبلِ الشمالِ ويرتدي شطَ الجنوب. يا لقسوة الحديث عنك يا أبي ويا قسوة الغد الآتي بدونك ، أنتَ العسكريُ المهندمُ الذي ينهضُ مبكراً وقيلولتكَ تكتملُ بأسرعِ لحظةٍ من لحظات النهار وينفلت المساءُ من يومِك بسببِ مذياعكَ الذي ينقلُ لكَ أخبارَ ( ياسر عرفات ) في معاركِ العرب ، لم تكنْ متشائماً عن فتح الموت عيونه ، ولم يخفتْ صوتكَ أمام أجنحة الملائكة ، ها أنت أبي أعرفُكَ تقود المقبرةَ التي ترقد فيها وسيكارتك متشبثة بشفتيكَ ، وأنت تدرك أن في المسيرِ لا عودة فيها ولن تكن معركة ستنتهي بهدنة كي تعود لي ثانية ، ولا انتهى دوامك بعد خفارةِ ليلٍ تحمل بندقيتك وصفارةَ الحكم ، يجري أمامك العمرُ كله كقطيعٍ من ذئاب ، تروض المآسي وتروض الصخور وتروض الموج الهائج الذي لا يحب الشاطئ ، وروضت حتى الحروب لتكون غبارًا على موائد الانتصارات ، ورمالُكَ لها خوارٌ تحت قوس النصر ، رأيتك في عمري كلّه أنتَ المارد الذي يقهر اللهاث ، يا صاحبَ القرار جائرا كان أم صائبا اورثتني حياةً لا تشبه حياتك وقواقعاً مفتحةَ الأبوابِ وجمهورا لا يشبه جمهورك ، لم يكن الفارق كبيراً بين نزول النفس ومغادرة الروح ، مجرد مسطرة واحدة تفصلُ بيننا والخط واضح أمام القطار الذي يحمل دخانا لا مسافرين يسير نحو المحطة الأخيرة لتتزود من رقودك ، أوصيتني أن أسقي الزرعَ ووجدت الجذورَ قد أكلها نملُ سليمان ما كان يعرف أنّها تعود لك ، مناشيرُ الصوتِ تحزّ الجذعَ الذي أستظلُ به وأنظر من بعيدٍ على الحديقة الخلفية لنهاري وفيها عشبٌ مكفهرٌ بصفرته وأدركتُ أنّ خسوفَ الظلّ سبب أوراقك التي تساقطت كما سقط المتاع من سنام الخريف ، أيامي تهرولُ خلفَكَ وأنتَ تبعدُ عنها بثلاثةِ عشر شبراً وقد تزداد المسافة بغفوة الرّيح المؤقتة عندما تيقن أنّ الموتَ يتثاءبُ فوق قنطرة الشك التي تعبرُ إلى ساحةِ اليقين . فالحقيقة أقول لقد ارتجَّ حنيني في دورقِ الفراق وأمتزج حليب اللون ، لا يزيح غطاءه إلا مفتاح الفرج ،
يا لسخرية المناسبات حينما تسود الألوانُ في باطنِ العيون…
أبي كلّ عامٍ وظلّ روحك يغطيني…
صدقني لقد أتعبني غيابك…
 ولدك الوحيد في هذا الكون هو أنا أسكن البصرة…
٢٩-٥ تأريخ شهادة وفاتك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق