الثلاثاء، 29 مايو 2018

عيناها والنور الاخضر بقلم الكاتب / هاتي زريفة

عيناها والنور الأخضر
قصة قصيرة:
بقلم: هاني زريفة.
وصلت مبكراً، وكان علي أن أنتظر حتى يحين الوقت، هذه أول زيارة لي إلى جامعة دمشق... كانت تؤرقني هموم، وتحدوني طموحات!... وكل ما حولي يدهشني: الحدائق والأبنية، والطلاب، والعصافير!... أمامي يوم شاق!
- صباح الخير!... إمَّا أنك خجول ومؤدب، وإما أنك شارد!
- كلها معاً... صباح النور!
- لقد جلست إلى جانبك على المقعد منذ فترة ولم تلحظ وجودي!
- آسف آنسة... لقد كنت...
- لا بأس، لا بأس!... في أي قسم ستسجل؟!
- أدب عربي!... أقصد في قسم اللغة العربية وآدابها! (كنت دائماً أقدم عبارة الأدب العربي على عبارة اللغة العربية، ربما لأن اللغة لدي وسيلة والأدب غاية!).
- إذاً فأنا محظوظة!... هل تسمح لي بمرافقتك؟!
- على الرحب والسعة!
كانت علاماتي قد أهلتني للتسجيل المباشر، ولا أحتاج إلى مفاضلة جامعية، أو شبيبية؛ وعلي أن أنجز جميع الأوراق المطلوبة في يوم واحد!
تسجيل المستجدين شاق، ويحتاج إلى الكثير من التنقل، بين كلية الآداب في المزة، ومديرية شؤون الطلاب في البرامكة، واتحاد الطلبة، والتدريب الجامعي وغيرها...
انطلقت وانطلقت الفتاة معي، تسير حين أسير، وتتوقف حين أتوقف!ّ... أصعد الدرج، فتصعد، أهبط فتهبط... أصطف في طابور فتصطف ورائي... أستقل سيارة فأجدها جانبي، أنزل منها فتنزل... كانت تلازمني كالظل!... صادفت عدداً من زملائي، وكنت أحتاج إليهم؛ ولكنهم حين وجدوها تلازمني؛ تركوني ومضوا!
بدأت أشعر بالضيق، لقد أثقلتْ علي، وحجزتْ حريتي!... استلمتُ الوثيقة من موظف التدريب الجامعي، وانطلقت من جديد؛ فوجئت بالموظف يسأل: وأنت آنسة؟ فأجابت: أنا زميلته، جئت معه!
أحتى إلى هنا رافقتني وهي لا تحتاج لمثل هذه الوثيقة؟!
تخلصت من آخر طابور... أخذت بطاقتي الجامعية، وغادرت؛ فتنفست الصعداء! كنت متعباً جداً، والعرق يتصبب مني، الآن فقط أستطيع أن أستريح!
جلست على مقعد في الحديقة، أتأمل الزهور والعصافير... رأيتها أمامي في المقعد المقابل!... ماذا بعد؟!... لقد انتهينا من التسجيل!...
تأملتها لأول مرة، لقد كنت غافلاً عنها، طيلة فترة التسجيل!... كانت طويلة، ونحيفة، ذات شعر أشقر طويل، والابتسامة لا تفارق وجهها، إنها جميلة جداً!... ولكن أجمل ما فيها عيناها الواسعتان الخضراوان!...
كانت تصب نظرها علي، والابتسامة تزين محياها!... شعرت بالحرج، أطرقت قليلاً... فبقيت كما هي... غادرت المقعد ومضيت!
قبل أن أجلس إلى الطاولة في المقصف، كانت تناديني:
- يا أخ... يا أخ: لقد وقع منك هذا الظرف!
شكرتها، وأخذت الظرف منها، كانت فيه صورة شخصية لي، زادت عن المطلوب للتسجيل!
جلستْ قبالتي، وصبتْ نظرها من جديد؛ فأطرقتُ!... أخرجت من محفظتها ورقة كانت تمسكها بشكل مقلوب، وقدمتها لي مقلوبة!
- ممكن أن تقرأ لي ما كتب على هذه الورقة؟!
- أتعنين أنك...؟!
- نعم... نعم!... أنا ضريرة... عمياء! وهكذا ولدت!... ولكنني مصرة على أن أبصر النور، كما تبصرون... وأشق طريقي في الحياة، كما تشقون!
شعرت بحزن، وحرج... خجلت من نفسي، وتقلصت في ثيابي حتى كدت أُفلت منها! تأملت عينيها من جديد... كانتا ترسلان قبساً من نور أخضر... قبساً أضاء عتمة في صدري!...
ودعتها وفي القلب غصة من إباء، وبركان من طموح!... وكنت كلما شعرت بالإحباط؛ أخرج صورتي تلك وأتأملها، فيعود قبس النور الأخضر؛ ليبدد العتمة، ويتفجر البركان!... فأنطلق في دروب الحياة، وكأنني ولدت من جديد!
(تمت).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق