الجمعة، 1 يونيو 2018

الموت المؤجل بقلم الكاتب / محمد محمد

** الموت المؤجل**

هناك..
حيث قذفني أبي كحبة حنطة
سحقتها الريح لتستقر في بطن الصحراء..
بعد أن سئم حياة المدينة
 ازدحام شوارعها واكتظاظها بالمارة
دخان العابرين وأصوات السيارات
وانعكاسات المرايا في وجوه الكالحين
خلع معطف الحضر
ليرتدي بدلا منه ثوب البداوة المرقع تيمنا بالبؤساس والكادحين..
وحيدا أضحيت
كالراعي تصحبه عصاه  يتوكأ عليها
ويهش بها حظه العاثر
خشية أن تجلب له الملائكة قبس سوء أو ضلال..
يستند إلى جذع شجرة هرمة هجرتها البلابل بعد أن أصابتها فأس حطاب يائس بصدع كبير
فخار قلبها...
وحيدا يندب هذا الشؤم الذي ما زال يلاحقه
 يجثو بين أغنامه
وكومات من القش كانت قد جففتها حرارة الصحراء لتجمعها الريح كأشقاء في مخيمات اللجوء يواسي بعضهم بعضا...
يعزف على أوتار شبابته التي أنجزها من البوص لحنا حزينا
فتلتف حوله الثعابين مختالة في رقصتها على صدى حشرجة حنجرة جريحة جافة...
وعينه على السماء لا تفارق تلك السحابة العابرة
 التي يخيل له بأنها من ستدله طريق العودة
في حين ضل المسير..
يستحلب ضرعها فتمطره ليحمل فوق  رأسه خبزا تأكل الطير منه..
ويوزع ما تبقى لديه من شطائر يابسة
على صغار الحي فيسد جوعهم..
هكذا كان يحلم...
يرقب غروب الشمس بفارغ الصبر
عل الشفق يحمله إلى موطنه البعيد كآخر جندي كان قد نجى من حرب ضروس..
خلع بذته العسكرية
 بعد أن أفرغ العدو رصاصته الأخيرة...

       ...محمد أبو زريق...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق