الأحد، 3 يونيو 2018

يوميات رمضان بقلم وليد العايش

- يوميات رمضان - ١٧ -
-----------
المساء يعانق الغسق، وسادة الشمس تنتظر قدوم مولودها، صيحات اللقالق تمتد إلى الأفق القريب .
كان الموعد بعد غروب الشمس بقليل، على ضفة النهر الهرمة، الأعشاب التي ماتزال تحتفظ ببعض عذريتها تجهز نفسها للقاء آخر هذه الليلة .
وصل عمار قبل حلول الموعد المحدد، تمدد فترة قصيرة على تلك الأعشاب الطيبة، يراقب سقوط الشمس خلف الجبل الأصلع الرأس، أشعل سيجارة لينير الظلمة التي تدغدغ المكان رويدا رويدا، الدخان المتهافت يلهو مع ضفائر مياه النهر، بدأت عقارب الساعة تدنو من موعد اللقاء .
ودع الغسق آخر خيوطه ثم اختفى، تململ عمار في جلسته، ومالبث أن هب واقفا لتوه وكأنه استشعر بشيء ما، نظر حوله عله يراه، كانت العتمة قد سبقته، فحالت بينه وبين رؤياه التي تعثرت قبل أن تغادر عيناه .
- يا إلهي ... أتراه يأتي ... لقد فات الوقت ولم يظهر ...
كان يحدث نفسه بصوت مسموع، تناثرت خطواته يمنة ويسرة، ضجيج المساء يكاد أن يلفظ روحه .
وضع أذنه على الأرض، يسترق السمع لخطوات قد تكون قريبة، أو تائهة، فيرشدها إلى مكانه.
باءت بالفشل محاولته، فعاد إلى سيجارة أخرى تسليه في خضم هيجان خفقات قلبه، وظل الظلمة الحاضرة منذ قليل .
- أظن أنه لن يأت ... لقد مرت ساعتان دون أن يصل ... ( يصمت لحظات )
- ماذا حصل معه ياترى ... أتمنى أن يكون دربه سالما ...
قرر أخيرا أن يترك ذاك المكان، ودع العشب الأخضر، أطفأ سيجارته بماء النهر، وغادر ...
مئات الأمتار قطعتها خطواته باتجاه البيت الرابض على طرف القرية الشمالي، بدأت الأنوار تلوح في الأفق، أشعل فتيل قنديله، انقباض في صدره يأبى الركوع ...
- ما هذا السواد القابع هناك !!! ...
- كأنه شبح رجل ...
ازدادت سوءا خفقات قلبه، ارتعشت ركبتاه، نعيق غراب يكسر حاجز الصمت، لكنه لم يكن قادرا على تهشيم وجه الخوف الذي خالج جسده النحيل .
دنا من ذاك الشبح ببطئ، شيء غريب يطرق على رأسه، الساعة تقترب من منتصف الليل .
وضع القنديل على وجه الرجل، سقط من يده دون أن يدري .
صراخ الغراب يعود ليكمل السهرة ... انتهى كل شيء ... لم يتبق سوى أنين وبكاء خافت ... ياسر كان هنا ...
------------
وليد.ع.العايش
١٧/رمضان/ ١٤٣٩

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق