السبت، 25 أغسطس 2018

الحب والمودة الشاعر د.صالح العطوان الحيالي

الحب والمودة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق- 7-8-2018
تعرف اللغة العربية وتتميّز بوجودِ العَديد من الكلمات التي تبدو متشابهةً ولكنّها تختلف في معناها؛ فهناك الكثير من المصطلحات التي تُستخدم لوصف العديد من الحالات النفسيّة والتصرفات المختلفة، وقد تكون هذه المُصطلحات متقاربةً من بعضها البعض وتختلط أحياناً على النّاس، ومن أكثر هذه المُصطلحات استخداماً مصطلحا الحب والمودة واللذين يختلفان في المعنى بشكلٍ كبيرٍ. يُعتبر الحب من الصفات النفسيّة العاطفيّة القلبيّة، بينما تُعتبر المودّة من الصفات العمليّة وهي أثرٌ سلوكيٌّ متفرّع من الحبّ، فمن أحبّ شخصاً ما سيظهر له المودة بالتأكيد، فالحبّ هو المؤثّر والسبب والمودة هي الأثر الناتج عن الحبّ وكلّ حبّ وراؤه مودة. المودة في القرآن الكريم ذُكرت المودة في العديد من المواضع في القرآن الكريم، قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) {الروم:21}؛ حيثُ إنّ هذه الآية تُوضح أنّ السكن والمودة والرحمة هما أساس الحياة الزوجيّة بين الرجل والمرأة، فبغياب المودة والرحمة بينهما ينهار الزواج، والسكن هنا هو سكينة النفس والطمأنينة والاستقرار، والمودّة هي أمر تبادليّ أي يتبادلها الزوج والزوجة ولا تتحقّق إلا من كلا الطرفين.
الحبّ هو تلك الكلمة التي فهمنا مذ كنّا صغارًا أنها أسمى ما يمكن أن يكون بين الرجل والمرأة، أو هكذا قيل لنا.. أحبُّ تلك الفتاة، أهيم عشقًا حين أذكرها وأنا جالس في الغرفة وحدي.. أشعر بوجع عميق في قلبي لغيابها، فيغيب عنّي النوم ولا تغيب صورتها الدافئة.. وحين أراها تتسارع دقّات قلبي ويكاد يقفز من مكانه! أليس هذا هو الحبّ الذي عرفه المحبّون عبر التاريخ وخفقتْ به خواطرهم وأشعارهم؟
يقول العبّاس بن الأحنف:
يَدُلُّ عَلى ما بِالمُحِبِّ مِنَ الهَوى ..... تَقَلّبُ عَينَيهِ إِلى شَخصِ مَن يَهوى
وَإِنْ أَضمَرَ الحُبَّ الَّذي في فُؤَادِهِ .... فإنَّ الذي في العينِ والوجهِ لا يخفى!
فالحبّ هوًى في القلب، غاية ما يريده لقاء المحبوب والأنس به.
حيثما كان الحبّ كان لا بدّ من "مودّة" تَظهر في الجوارح والسلوك، إذ "العداوة" (وهي ضدّ المودّة) لا تكون إلا بكلام أو عمل يظهر على سلوك المرء
يقول جميل بن معمر:
لامني فيكِ يا بُثينةُ صَحبي .... لا تلوموا قد أقرحَ الحبُّ قلبي
زعمَ الناسُ أنّ دائيَ طِبّي .... أنتِ والله يا بُثينةُ طِبّي
فالحبّ هنا "مرض"، والمحبّ مريضٌ ينتظر الدواء وهو اللقاء بالمحبوب..
فهل تلك الحالة "المرَضيّة" -إنْ جاز التعبير- هي الحالة المطلوبة لزوجين سعيدين؟
ها قد لاقى المحبوب محبوبته وسكنا إلى ركن الزوجية الدافئ، فما عاد الغيابُ دافعًا للشوق والذكرى، وما عاد الوجد يفتكُ بقلوب المحبّين ولا يؤرّق نومهم.. فماذا تبقّى من الحبّ إذن؟
بقيتْ المودّة والرحمة ميثاقا غليظا يربط ذلك اللقاء الطويل حتى الممات..
وانظر إلى جميل بثينة نفسه وهو يقول:
فأصبحتُ مما أحدث الدهرُ موجعًا .... وكنتُ لريبِ الدهرِ لا أتخشّعُ
فيا ربِّ حبّبني إليها وأعطني ..... المودّةَ منها أنتَ تُعطي وتمنعُ
فهو يرى الحبّ وجعًا دائما، "المودّةَ" غايةً ومطلبا..
الحبّ وجعٌ ينقدحُ في القلب ويُرهقه الفقدُ والغياب، والمودّة لقاء دافئ يُطبع في جوارح المحبّين..
ولمّا كانت المودّة منوطة باللقاء، كان لا بدّ من "رحمة"، فأيّ لقاء يكون إذا غابت الرحمة؟
الحبّ اندفاعةٌ للانفراد بالمحبوب.. هوًى محمومٌ لا يهدأ إلا بلقائه، ولكنّه في ذاته لا يضمن نتيجة اللقاء.. ولا يكبحُ المحبّ عن الإيذاء!
يرغبُ المحبّ في تملّك المحبوب، وكأنّما هو طفلٌ يهفو للعبته المفضّلة، ولكنّ تعلّقه الشديد بتلك اللعبة لا يمنعه من أن يستبدّ بها ويُعمِل فيها تجاريبه الماكرة!
فحيثما كان الحبّ كان لا بدّ من "مودّة" تَظهر في الجوارح والسلوك، إذ "العداوة" (وهي ضدّ المودّة) لا تكون إلا بكلام أو عمل يظهر على سلوك المرء. وكذلك المودّة، ليستْ شيئا يخفق به القلب ويودَعُ في القصائد فحسب، ولكنّها حُسن معاملة أساسه شعورٌ جميل وسلامة صدر، ولكنّ هذا الأساس لا يسمّى "مودّة" إلا بعد أن يظهر في السلوك.
قول سبحانه: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}. فلا بدّ من "رحمة" تهذّب بنقائها شوائب النفوس، وتَحْفِزُ عناصر الخير في قلوب المحبّين ليرفقوا بأزواجهم ويُحسنوا، والله يحبّ المحسنين..
فإذا كان الأمر كذلك، فما الذي أراده الشعراء المحبّون بحبّهم ذاك الذي نزفوه قصائد هي من أروع ما أنتج الشعر العربي وأصدقه عاطفة؟ لقد كان المحبّون في الواقع أسرى حبّهم وتجاربهم العاطفية، كانوا "ينزفون" الشعر ولا يكتبونه..
وقد نزف جميل بثينة ذات وجع:
عدِمتُكَ من حبٍّ أما منكَ راحة ٌ ...... وما بكَ عنّي من تَوانٍ ولا فَتْر!
ونزف قيسُ لبنى شاكيًا جراح الحبّ:
ولَوْ أنَّني أسطيعُ صبرًا وسلوةً ..... تَنَاسَيْتُ لُبْنَى غَيْرَ مَا مُضْمِرٍ حِقْدَا
وَلكِنَّ قَلْبي قد تَقَسَّمَهُ الهَوَى ..... شتاتاً فَمَا أُلْفَى صبورًا ولا جَلدَا
سليْ اللَّيلَ عنِّي كيف أرعَى نُجُومَهُ .... وكيفَ أقاسِي الهَمَّ مُستخلِيًا فَرْدَا
لا يجادل إلا مكابر بأنّ شعر الحبّ العذري من أعذب وأرقّ أصناف الشعر التي أبدعتها قريحة الشعراء العرب عبر التاريخ. ولكنّي حين أنظر إلى آفاق ذلك الشعر، متجاوزًا قليلا عذوبة الألفاظ وصدق التجربة الشعورية؛ أجدُ أفقًا ضيّقا لإنسان انساقَ خلف أهوائه ومشاعره ليختزلَ أحلامه وآماله في مجرّد الوصال بمحبوبته.. وهي حالة غير سويّة، ولا تفضي بالمحبّ إلى تحقيق دوره كإنسان، بل ولا إلى تحقيق أحلامه التي بثّها في قصائده؛ فالوصال السويّ يحتاج إلى أكثر من قصائد رائعة!
إنّ مشاعر الإنسان أوسع من أن تُحصر في أنثى من طين، فأيّ أفق ضيّق ذاك حين يحرق الإنسان مشاعره وإبداعه في التمركز حول إنسان واحد في هذا العالم!
الحبّ من أسمى مشاعر البشر ولا يملك الإنسان كبتَه، والمرأة هي الرفيق في مسيرة مكابدة الحياة، ولكنّ الحياة أكبر من التمركز حول العشق الاحتياجي لأنثى من لحم ودم.
إنّنا حين نطالع أشعار المحبّين العرب لا نجد -إلا نادرا- أحلامًا كبرى أو آفاقًا سامية يرتجيها الشاعر في حياته، بل نجد أنّ الكلام مع المحبوبة يساوي عنده الدنيا وما فيها كما قال جميل:
لتكليمُ يومٍ من بثينةَ واحدٍ ...... ألذُّ من الدنيا لديّ وأملحُ!
يشبه المحبّ في هذه الحالة المدمنَ الذي لا يفكّر بشيء سوى تعاطي المخدّر الذي يزيل عنه الألم، فلقاءُ المحبوبة لا يهدف لشيء غير إطفاء النيران المشتعلة في قلب المحبّ، والتي لا تدع له مساحة من الفكر والشعور ليؤدّي دوره الطبيعي كإنسان مستخلَف في هذه الأرض..
كان بوسع هؤلاء الشعراء أن يحتفظوا بحلم المرأة مع تجاوزه إلى آفاق أبعد، فالحبّ من أسمى مشاعر البشر ولا يملك الإنسان كبتَه، والمرأة هي الرفيق في مسيرة مكابدة الحياة، ولكنّ الحياة أكبر من التمركز حول العشق الاحتياجي لأنثى من لحم ودم.. قد تكون المرأة جزءًا من هذا الأفق الواسع، لا الأفق النهائي كلّه!
الحب في القرآن الكريم ذُكر الحب في العديد من المواضع في القرآن الكريم، وكانت له العديد من المعاني والتفسيرات. هناك نوعان للحبّ وهما: الحبّ العقليّ، والحبّ الحسيّ، وذُكر كلا النوعين في القرآن الكريم في العديد من الآيات ومنها: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) {يوسف:33}؛ حيثُ تتكلّم الآيات الكريمة السابقة عن قصة النبيّ يوسف -عليه السلام- مع امرأة العزيز، ورفضه لدعوة النساء إيّاه؛ حيثُ قال بأنّ السجن أحبّ إليه من كل ذلك وهنا يكون الحبّ عقليّاً؛ حيثُ ترك ما دُعي إليه من الشهوات وفضّل الصواب على كل ذلك. (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) {البقرة الآية: 165} والمقصود بالآيات الكريمة أنّه من أحبّ غير الله عزّ وجل فهو يظلم نفسه، فيتّجه الناس لحبّ المال، والنساء، والشهوات، والسيطرة ويبتعدون عن الله تعالى.
درجات الحب
ـــــــــــــــــ للحبّ درجات على عكس المودة وهذه الدرجات هي:
الحب: ويعني غليان القلب عند لقاء المحبوب وهو عكس البغض.
الصبابة: وتعني الشوق. الهوى: المحبّة الشديدة وغلبتها في القلب.
العلاقة: وتعني الحب والهوى الذي يلازم القلب.
الجوى: أي تحوّل الحبّ إلى شيء مُلازم لمدة طويلة.
الخلة: أي الخليل الذي ليسَ في محبّته خلل.
الكلف: التولّع بالشيء.
العشق: الإفراط في الحب.
الشغف: الحبّ الشديد الذي يتمكّن من القلب. الشعف: وهو داء ومرض في القلب، يمكن أن يقتل صاحبه. المتيّم: هي مرحلة ذهاب العقل من شدة الحب.
البتل: غلبة الحب. الوله: ذهاب الفؤاد من الحب. الهيام: تعني وصول الحب إلى درجة الجنون الكامل
د. صالح العطوان الحيالي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق