الأربعاء، 29 أغسطس 2018

جامع العلب بقلم د.المفرجي الحسيني

جــــــامع العُــــــلَب
------------------
قرر العيش بجانب سور المتحف، لا يتمكن من دفع ايجار غرفته البائسة، وحيد هان الأمر عليه، كرتون صناديق بيته وغطاءه، ليس بعيداً عن بائع الشاي وعربة الأطعمة الشعبية، صياح وضجيج. ينام حتى الضحى ،لا يبالي بالطلاب والسابلة مستخدمي الطريق، يزعجهم استغراقه في النوم العميق، يلقي التحية ببشاشة صادقة، الناس يتحدثون بغلاء الأسعار والإيجار، قلقين منزعجين يشعر بالحزن تجاههم، مقطبين التجاعيد تتكاثر وتشرخ صورهم فتنطفئ نظرة العيون، وحده يعرف سر نجاته من التجاعيد ، متسول لا مال في جيبه ،يقوم بجولات عديدة على قدميه يساهم مع منظفي الشوارع ،يجمع علب المشروبات الغازية الفارغة في كيس كبير، هذا العمل يوفر له  الطعام ،قلبه ينبض بالحياة والراحة وابتسامة لافتة رجولة طاغية، لا شيء يشغل ويعكر يومه، الملفت للنظر عندما يخرج من غرفتهِ الكارتونية يبدو طويل القامة، شخصيته بارزة في المجتمع، من المفارقات بعض الشخصيات تُدير شؤون المجتمع بطول ورشاقة ووسامة نزيل غرفة الكارتون،  جامع علب صفائح المشروبات الغازية، شيءٌ محيّر فعلاً!. عالم جامع الصفائح لا يبدو محدوداً أو خالياً من الإثارة، كثيراً ما يتشاجر مع عمال البلدية  يحاولون طرده من مكانه ،جامع الصفائح منسجم مع نفسه وبعض زملائه المشردين ،يصرف ما بجيبه على زملاءه منتصف الليل يأخذ جولته الأخيرة، جمع الصفائح من تحت المقاعد وطاولات المطاعم، ذات يوم كانت أشعة الشمس حارقة، التجأ رواد المقهى المجاور إلى الأماكن الظليلة، مذياع المقهى في النشرة الإخبارية
وردت فيها قرارات رسمية تُثير الإعجاب، «يسقط المطر بعد صلاة العصر»، رواد بائع الشاي وعربة الأطعمة الشعبية، ورؤوسهم المرفوعة وأفواههم المفتوحة، إلى مذياع المقهى والمذيع يقول: «يسقط المطر بعد صلاة العصر»، ويرددون «يسقط، يسقط، يسقط!» رجل مُسنّ كان يجلس على كرسي أمام المقهى، تحت مظلة الشمس، ابتسم بخبث لحديث المذيع، يا الله! لقد استجابت السماء، لأوامر الحكومة وكان هناك برق ورعد ورياح ومطر غزير، الرجل المسنّ كان يصيبهُ قطرات المطر من ثقب في مظلة الشمس، لم يتزحزح من مكانه عن الثقب والماء النازل منه، حتى حدّستُ أن ثقباً ما في حياة هذا الرجل؟ دائماً أشاهد الرجل المسن في المقهى ببدلة جديدة، حتى إنه يصبغ شعر رأسه ويحلق لحيته
ويرفل بأسلوب حياة جيدة، حمدت الرب أن حياتي لا توجد بها ثقوب، وأني أعيش بصندوق كارتون، لا توجد فيه ثقوب» همس في سر نفسه.
**********
د.المفرجي الحسيني
جامع العلب
العراق/بغداد
28/8/2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق